واصل الجفاف سيطرته. مع مطلع كل صباح ترسل
الشمس أشعتها الحارة دون تهاون فتزيد في انفلاق طبقات الأرض اليابسة
الضمآنة.المواشي احتملت حياة البؤس طويلا
في انتظار قطرة ماء أو رزمة عشب ولما دب فيها اليأس جرت نفسها جرا نحو
الجدول الفاني الذي لم يبق من آثاره سوى الرمل والحصى. فمن تلك الدواب من لقي حتفه
قبل بلوغ الوادي ومنها من أدرك الحافة المقـفـرة وهلك ليمسي فريسة لطيور وحيوانات
مفترسة أشد ترقبا وجوعا.
أما
السكان فمصدرهم الوحيد كان صهريج الماء الذي يأتي به جنود فرنسيون كل صباح.لكل
أسرة جراية حسب عدد أفرادها.غير أن التوزيع لم يكن عادلا لأن البعض عمد الى الغش
مما أدى بالقائمين على العملية الى الغاء العمل بالحصص واستبداله بصيغة أكثر عدالة وهي توزيع دلوين
اثنين لكل عائلة مهما بلغ عدد أفرادها.
أخيرا
وبعد طول انتظار تغيمت السماء وعصفت الريح منذرة بتحول في الطقس. ونزل المطر حاملا
للأرض ما يكفيها من ماء بل وأكثر.لقد فات الأوان ظن البعض بينما تمسك آخرون بخيط
أمل مرددين أن البذور يمكنها أن تنمو اذا سارعوا الى زرعها.وهكذا شرع الفلاحون في
الزرع مانحين مرة أخرى ثقتهم للأرض واضعين
مستقبلهم بين أثلامها. ليعيشوا بعد ذلك فترة الترقب بين الأمل والخوف مما سوف يسفر
عنه الغد.
لأسرة
عمار ما يكفيها الآن من الزاد ولولأيام معدودات.
دخلت
سلمى ذات يوم فجأة على مريم فوجدتها منهمكة في طهي الطعام.لم تلتق الجارتان منذ
شهور . وما أن رأت مريم جارتها حتى همت بالترحاب
لقد
تغيرت سلمى كثيرا . أي خطب أصابها؟ هل الجوع أثر فيها أم المرض؟ أين ذلك الصدر
المنبعث الى الأمام؟ أين ذلك الثبات ومرونة الهيئة؟ وأين الجمال؟
لما
فرغت سلمى من الأكل مسحت شفتيها المبللتين بالمرق بكم قميصها العريض وقالت –
أنت
تعلمين أنني لا أستطيع القدوم كل يوم فما عليك ياجارتي العزيزة الا أن تعطيني شيئا
من الدقيق نسد به الرمق ولو لأيام.
قالت
مريم وقد زاد استغرابها من تصرف الجارة – يتعذر عني مدك ولو بالقليل فأنت تعلمين
أنني لا أملك من الدقيق الا القليل.ثم والله لقد أوقعتني في حيرة. لماذا لا
تلتمسين اعانة من أبنائك.
-
عن أي أبناء تتحدثين يا امرأة؟ ردت سلمى. لقد رحلوا صحبة زوجاتهم وأبنائهم
. الكل يفكر في الخلاص.
-
ومرة أخرى لم تجد مريم بدا من تلبية رغبة جارتها مرددة في نفسها- ألم يقل
رسولنا الكريم – "لا يدخل الجنة من بات شبعانا وجاره جوعان"
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire