jeudi 16 mai 2013


      
                                          قرية عياضات  تنهض  من سباتها
                         
في غضون العقدين المواليين للأستقــلال والى غاية الثمانينيات لم يكن يوجد بالقرية نقل للمسافرين فكانت الوسيلة الوحيدة هي سيارة نفعية لأحد الخواص يستقلها كل من له حاجة بالمدينة أولاجراء فحص طبي أو أداء زيارات عائلية. حافلة النقل الجماعي المهترية موعدها مرة واحدة في الأسبوع (السبت) تأتي قادمة من رأس الوادي ذهابا الى برج الغدير فتجد في انتظارها العشرات من المسافرين  فيكثر الزحام الى درجة الركوب على سقف المركبة( كما في الهند) .
أغلب الركاب من الكهول والشيوخ أما النساء فلم يكن لهن مكان بسبب التقاليد واكراما وتقديرا لحرمة المرأة الا العجزة منهن. وعلى ذكر المرأة فوضع حملها كان لا يتطلب نقلها الى عيادة أو مستشفى بل أن  دور القابلة موكل لعجوز لها من الخبرة في التوليد باع كبير وقد ولد على يدها عشرات المواليد دون أن يصابوا بأذى. أما الآن فالأمور تغيرت بطبيعة الحال فلا يكاد يخلو بيت من مركبة. وعيادة القرية تستقبل المرضى من الصباح الى المساء. بالاضافة الى وجود صيدلية خاصة. ولا خوف من الجانب الصحي.فالنساء بفضل الاعلام المرئي أصبحن يتقنن تربية أولادهن خاصة من جانب التغذية .بل وصرتا يفضلن الحليب الاصطناعي عن حليب الأم.

كنا نزاول دراستنا الابتدائية بالمدرسة الوحيدة المشيدة على نمط البناء نصف الجاهز وهي تعود للحقبة الاستعمارية ولا تزال قائمة الى يومنا شاهدة على مرحلة هامة من حياة من هم الآن شيوخ وأجداد . بالقرب منها أنجزت الدولة مدرسة وبالجهة الآخرى من القرية شيدت مدرسة أخرى ومتوسطة ساهمت بدور كبير في القضاء على معاناة الطلبة الذين كانوا يتنقلون يوميا الى رأس الوادي وعين تاسرة.
اشتهرت القرية بكرة القدم واحتل فريقها عدة مرات ريادة البطولة لكن قلة الموارد المالية وعدم اهتمام بلدية عين تاسرة أدى الى عزوف اللاعبين عن الممارسة. و أصبح  الفريق في خبر كان.  من بين اللاعبين الذين تألقوا في السبعينات الحارس (السعيد  ض) والمدافع (عبد الرحمان ب) وكذا المهاجم(بلقاسم ب).
 في زيارته الى الولاية انتقل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الى القرية واطلع على المشروع الفلاحي الضخم والمتمثل في استصلاح وتأهيل مئات الهكتارات لغرس الأشجار المثمرة بشتى أنواعها. وبفضل تفاني المستفيدين تحولت اليوم الأرض البور الى جنة خضراء يتم كل صيف تسويق ما لذ وطاب من الغلة ومن الفلاحين الجادين (البشير وأولاده) الذين أصبحوا قدوة لكل المهتمين بالقطاع الفلاحي.
 تعرف القرية الصغيرة  نموا ديمغرافيا هائلا فمعظم السكان الآن شباب والعمران  في توسع مستمــر فالى جانب العمارات القديمة يتم بناء مجموعة سكنية جديدة كما استفادت القرية مؤخرا من  50 مسكنا جماعيا  ومن حصة من  البناء الريفي .
 ويطمح المواطنـون أن يتحسن الربط بالكهرباء والماء لاقامة مرافق حيوية  كالحمام والمخبزة.                           
 ومن أسباب نهوض القرية من سباتها هو الطريق الرابط بين برج الغدير ورأس الوادي والذي يعبر القرية وتستغله حاليا عشرات الحافلات والسيارات  صباحا مساء.والذي قضى على مشكل النقل نهائيا
ولو استغل السكان فوائد هذا الطريق لصالحهم كانشاء ممطعم ومقهى ومحطة للبنزين ومحلات تجارية لعاد عليهم بفوائد جمة.

mercredi 15 mai 2013


قـريــة "لــوازي" أو كما تنطق  بالفرنسية LAVOISIER والمسماة حاليـــا " عياضات" نسـبـة الى أول شهيد سقط بالقرية والتي أنحدر منها وكلي اعتزازبذلك  تقع  بمنطقة " تيويرة" بولاية برج بوعريريج.
هي قرية صغيرة لكنها متمدنة بها جميع وسائل العيش الرغيد. مبانيها التي أنشأها المعمرون استخلفت بأخرى من الطراز العصري .معظم سكانها يشتغلون بدواليب الادارة عبر مختلف أرجاء الوطن. ولهم صفحة اذا شئتم بالفيسبوك تسمى باسمهم. وقليل منهم فلاحون ومعلمون ومتقاعدون ( بالأورو أو بالدينار). ما يجلب انـتـبـاهـك وانت تحل بهذه القرية الهادئة فضول الناس. فهم يجرون عليك فحص " اسكانار" بمجرد أن تطأ قدماك أرض القرية الى غاية خروجك. متســائلين عن هويتك. سبب قدومك . لمن جئت وأين ستذهب. على امتداد الشارع الرئيسي وعلى رصيفه تراهم يتبادلون المعلومات في لمح البصر.وسرعان ما ينتشـر الخبر ليعم حتى البيوت والمزارع المطلة والتي عاينها الرئيس بوتفليقة يوما ما. ينقل الخبرفي بداية الأمربسيطا في المحتوى ولكن سرعان ما يضخم بآراء وتعليقات ثم يأخذ أبعادا و تأويلات غالبا ما تكون لا أساس لها من الصحة الا ما اخترعت مخيلاتهم الخارقة للعادة. ولعل هذا ما جعل الزوار الغرباء يتخوفون عند اقترابهم من "الرادارات" البشرية المنتصبة خفية وعلنية من الصباح الى الليل.ونادرا ما يـنـجـــو زائر من عملية المسح . خاصة اذا كان المسمى (س. ط) يقف متكئا على عصاه  وعنقه مشرئبة يتلهف شوقا كلما رن هاتف أو دوى محرك سيارة قادمة في الأفق. تراه قابعا بجوار بيته  أو ساندا ظهره الى جدار حانوت المدعو ( ق.ز) لا تخفى عنه حركة ولا يغادر صغيرة أو كبيرة الا وسجلها تلقائيا لتتحرك بعد ذلك وكالة  الأنباء المحلية. هذا الشخص زار فرنسا وصادف أن رأى يوم الأحد الفرنسيين يدخلون الواحد تلو الآخر قاعة فسيحة فدفعه فضوله الى معرفة السبب. فدخل معهم حيث وجد العباد جالسين على كراسي طويلة فجلس وأعطاه الراهب  كتيبا فأمسك به . وفجأة انطلق المسيحيون في تأدية واجبهم الديني وما كان من صاحبنا الا تقليدهم  دون علم ولا دراية بما بقولون. يصيح معهم كالجدي حين يغنون ويكف حين يصمتون. وهكذا قضى نصف اليوم في طقوس لا ناقة له فيها ولا جمل الا وجع الرأس .  وكان بالقرية  ( عمي محمد المسعود) شيخ  يحمل على كاهله دون تكليف من أحد أرشيف قرون مضت من القصائد والقصص الشعبية . يقصده الجميع للأستمتـــاع و للاستماع الى حكاياته الطويلة الغريبة. ولا يخلو مجال سمعك تـتـحــدث فيه الا وجاءك بقـصة أو نكتة في نفس الموضوع. في يوم من الأيام كان يسرد على مسمع الحاضرين قصصا وكانت بالقرب منه عجوز طاعنة في السن. فكان كلما انهى قصة قالت  (هذه عايشتها  وربما قالت أعرفها) . ولما أقلقته تعقيباتها قال مخاطبا اياها – سأروي قصة لا تعرفين لها  طريقا لأنك باختصار لم تولدي قبلها ولا بعدها.
وقد خلف الشيخ نفر من الشباب اشتهروا بدورهم بالفكاهة وبخفة الظل.
أما في المجال السياسي فحدث ولا حرج فمن الشاب الى الكهل والى الشيخ الكل هنا على دراية بفقه  السياسة ما لا يفقهه السياسيون أنفسهم. التحاليل المتنوعة حول مختلف الميادين محلية وطنية شئـت أم دولية. التطرق الى مواضيع الساعة لا تخلو من الحيوية والمنافسة كأنك باستديو قناة ما. وسرعان ما يحتد النقاش ليبلغ ذروته فتتعالى الأصوات وتـتـشــابك في فوضى عارمة  الكل يغني ليلاه وكل طرف يريد أن يكون رأيه على صواب. وغالبا ما ينتهي الحوار بالتشابك بالأيدي أو بالعصي واللكمات الموجعة. يحل وقت العشاء فيفترق الجمعان ليعودا الى حلبة الصراع وقد امتلأت البطون  مما يزيدهم حدة وصلابة في التنافس. وينتصف الليل وعلى أمل اللقاء مجددا بما جادت به  القنوات من أخبار يرحل الجميع  غير مكترثين بالوقت ولا بالطقس.
وأنــــــــــــــا بدوري أودعكم ومعي في المرة القادمة كلام كثير عن قريتي الجميلة......



                                                     في المكـــان..... يا ما كـــان.

          كان يا ما كان في قديم الزمان في بلاد أولاد دحمان كان يعيش عمي عثمان عيشة الهم والهوان. فقرر ذات يوم أن يتخلص من ذلك فسافر الى تلمسان حيث الجمال و الحب والحنان . جهز نفسه وأعد زاده في أمان ثم استقل حماره "هنهان" وانطلق فرحان . بين السهول والجبال يقطع  الأنهاروالوديان.
الى أن وصل الى أرض شاسعة بها كثير من الجنان. فاستراح تحت شجرة الرمان. أخذه النوم زمان. ولما نهض وجد أنه عطشان. فشرب من الماء مقدار فنجان. وأكمل السير فرحان. حل الليل بالغابة وأظلم المكان. خاف عمي عثمان ولم يعد من الشجعان . وأحس أنه لم يعد في أمان. وفجأة خرج عليه من الظلمة
رجلان.لا صلة لهما بالانسان.في رأس كل واحد عين وقرنان. يقفزان على ذيلهما كالثعبان. راح عثمان يجري كالجبان. ولا يلتفت الا في بعض الأحيان. حتى وصل الى طريق وهران. رآه سائق يتخبط في الطريق كالسكران. فتوقف ونقله بعيدا عن المكان. وفي الطريق حكى عثمان للسائق ماكان.  فعرف عثمان أن الرجل بهذه الأمور ولهان. وقرر السائق الرجوع الى المكان مع عثمان. لكن صاحبنا رفض مهما كان . اقترح السائق على عثمان البقاء بالشاحنة عندما يصلان. فوافق عثمان مرغما مهان. في عين المكان نزل السائق نشوان. ودخل الغابة واختفى عن العيان. انتظر عثمان طويلا لكن الرجل ما بان. وفجأة انطلقت الشاحنة يدفعها من الخلف غريبان . استدار عثمان فرأى ما أدخله في هذيان. الوحشان اللذان تركهما هما الآن وراءه يقفزان ويتوعدان. ماذا أفعل يا أخوان؟ صاح الجبان. وفي غمرة الفجع فتح السائق الباب وصعد  بالبرهان. هو أيضا صار له... عين وقرنان  .                

                                                                                                                    (ابراهيمي المكي التيويري)

lundi 13 mai 2013


بلد غني وشعب فقيـــــر . المداخيل تجاوز رصيدها ألف مليار أو ما يزيــــــــــــد...

  أنجز الطريق السيــــار بأيادي أجنبية وبالرشوة
أنجـــز الميتــرو بوتيــــرة أدخلته كتاب قينس للأرقام القياسية
أنجــز الترامواي في المدن الكبيرة فعم فيها الفساد بدون ردع ولا رقيب.

برز من حيث لا ندري ومن العدم أصحاب الملايير،اصحاب المصانع و المؤسسات و الاستيراد و التصدير(هذا يستورد اللحم .ذاك السيارات آخر اهتم بالزيت والسكر، وآخر ببالتهريب للسلع ومنهم من جلب الحصى والرمل بالعملة الصعبة . فلان نهب البنوك وفلتان أنشأ شركة وهمية  . الوزير أخذ رشوة وفر والخليفة جوع العمال وفر وعبد الرحمان عاشور بالمغرب استقر. ..)صدق المرحوم القذافي حين قال الجزائر أغنى بلد بالعالم  الحكام ما انفكوا يسرقون والموالون للنظام ماانفكوا يسرقون والمحظوظون ما انفكوا يسرقون والبلد لا يزال قائما على رجليه فوالله لهي المعجزة بعينها..
الشباب ينتحر شنقا و حرقا،و غرقا،الطفولة تغتصب و تخطف و تقتل،صرنا نخاف على أنـفسنا  في سياراتنا  نخاف من أن تصيبنا السكاكين و السيوف . نخاف من ضرب السارق ولو وجدناه بمنازلنا. نخاف من الخروج ليلا كيلا نقع في حفرة .نخاف حتـى من استخراج شهادة الميلاد اذا لم تكن لنا معارف .

 صرنا شعبا سكران و مزطول و مهلوس.....زجاجات الخمر المستعملة على الأرصفة المتسخة كل صباح  في بلد يدعي الاسلام دينا . العاهرات تحصلن على السكنات وفي الحدائق العمومية منشغلات.



 

يـتـهـــافــت  الانـتـهازيــــــــون للترشح كلما حل موعد الانتخابات المحلية البلدية منها والولائية والنيابية.بل وتشاهدهم يستعدون لها قبل موعدها بأشهر حيث تتغير فجأة سلوكهم اتجاه الناس مما كانت عليه الى أحسن ما يمكن أن تكون  بل وأفضل بكثير مانحين الناس ابتسامات مجانية وقبلات حريرية وتجدهم بالمقاهي يتفقون مئــات الدنانير على من يعرفونهم و لا يعرفونهم غايتهم شد الانتباه اليهم .و يقصدون الملاعب حيث الشباب فيصرخون مع الصارخين ويفرحون مع الفائزين وقد كانوا من قبل لا يهتمون بالرياضة اطلاقا. هؤلاء المترشحون الذين لا ندري بما يغسلون وجوههم حتى يتمكنوا من مجابهة المواطنين واغرائهم بأكاذيب وأوهام ليظفروا منهم بأصوات  قد تدخلهم عالم "السياسة" بمفهومهم الخاص وليس بالمفهوم المتعارف عنه . وأكاد أجزم هنا أن الكثير الكثير من المترشحين لا يفقهون في السياسة مثقال ذرة. كيف لهم ذلك وهم من خريجي مدارس الأحزاب الفاشلة وأعني بها كل الأحزاب دون استثناء. حتى أن بعض المترشحين " من المعارضة المزعومة" تراهم يمجدون بالمناسبة برامج الحكومة التي من المفروض أنهم أعداؤها (في البرامج).
وأن هدف تقدمهم لخوض غمارالمنافسة هو بطبيعة الحال اصلاح ما أفسده القابعون في سدة الحكم سواء كان حكما محليا أو على مستوى أعلى.مترشحون رموا مآزر التعليم وارتدوا بذلات النفاق . موظفون غادروا مكاتبهم  بحثا عن صيد وافر. آخرون أخذوا عطلة وراحوا يترصدون بالناس في الأسواق والمحلات وفي الطرقات. وحتى في الجنائز  والمآتم .مقاولون وتجار وحرفيون فاشلون  وضعوا افلاسهم جانبا وهجموا على الناس بسيوف الكذب غايتهم الكسب والتربع على عرش البزنسة في العقار وفي المشاريع التنموية . والمضحك في كل هذا  أن وجوها غريبة عن المجتمع لا  يراها الا نادرا تبرزعلى الساحة فجأة  فتحتك بالبسطاء مهللة بنصرة هذا الشعب المغلوب على أمره (في حالة الفوز) ومتوعدين السلطة بالمحاسبة على ما اقترفته من ذنب في حق هذا المجتمع  المسكين المتعطش للعدل والمساواة.(لكن على هذا المجتمع ان أراد التغيير أن ينتخبهم) كما يقولون.  
وللتوضيح أكثر أن الوجوه الغريبة هم أولئك الموظفون السامون وغير السامين باختلاف مراتبهم الذين لا يخرجون من مكاتبهم الزجاجية الا عندما يحتاجون الى الشعب وليس العكس. بل أن هناك من ترشح في مقاطعة ما دون أن يضع قدميه بها منذ أن غادرها رضيعا في حضن أمه. فهل يعلم شيئا عن معاناة الناس هنا؟
مترشح آخر وخلال ملاقاة الشباب وعدهم أنه في حالة الفوز سيخصص لهم راتبا شهريا دون أن يجبروا أنفسهم على العمل. وهاكم ما قاله آخرقال أن من أولويات برنامجه القضاء على المزابل. وهل أشبع الناس بطونهم حتى يتركوا للمزابل شيئا؟
مترشح من نوع خاص جرئ ومراوغ  صارح شعبه بالقول أنه عمل خلال العهدة المنتهية لصالحه وصالح عشيرته.واذا أرادوا أن يخدمهم حقا فما عليهم الا اعادة انتخابه.وفي الأخير نصحهم أنه اذا جاءهم رئيس جديد فسوف يقضي المدة في خدمةشخصه وعشيرته وسوف لن ينالوا منه شيئا...(مثلما فعل هو بهم.)  
واليكم مترشح أراد أن يتلاعب بعواطف الناس فقال لهم- "عاونوا خوكم الزوالي". ولسنا ندري ما المقصود؟ هل جاء هنا للبحث عنالثروة؟ أم للتســـــــــــول ؟ أم لخدمة الناس .؟
مترشح آخـــر توعد الجميع بأنه سوف ينتحر اذا فازمنافسه فلان ولم يفز هو بالمقعد. ان أصواتكم تنجيني من الانتحار ومن عذاب يوم القيامة فلا تبخلوا عني وأنقذوني.(صاح فيهم باكيا) . مترشح متنقل كلما رفض له طلب الترشح من حزب رحل الى حزب آخر. صدقوني أن مترشحا انخرط في جميع الأحزاب والنقابات والاتحادات بما في ذلك الاتحاد النسائ (المهم المشاركة وتحصيل بعض المال.من الخزينة العمومية للجمهورية الجزائرية)....
وجــــــــــــــرت الانتخابات ....وفاز " الفائزون" ورسب الشعب المغبون. بعد شهور تقدم مواطن بطلب مقابلة السيد رئيس البلدية. بعد محاولات دامت أسابيع في غدو ورواح نال المواطن شرف رؤية "الرئيس". وبعد طرح المشكلة لم يقتنع المواطن بجواب المسئول فألح في طلبه فقال له السيد الرئيس – أثبت لي أنك انتخبتني.فرد المواطن – دليلي أنك موجود على هذا الكرسي الفخم. قال الرئيس مغتاظا – أنت من قبيلة كذا وقد انتخبت على منافسي فلان فاذهب اليه ليحل مشكلتك......
رئيس آخــر كذب عن الناس أثناء الحملة الانتخابية لم يجد بدا من فتح باب بالجدار الخلفي لمكتبه يدخل ويخرج منه خفية كيلا يقابل المواطنين. بل وأرغم الحاجب على الكذب فلم يعد المسكين يتلفظ الا بجملة حفظها عن ظهر قلب – الرئيس في الاجتماع- الرئيس في........- 
مترشح من بلدتنا وعد محبي رياضة كرة القدم  بانشاء فريق في اللعبة. ولما فاز بالعهدة صرف  كل ميزانية البلدية على الفريق من مأكل وملبس وتنقل واستقدام مدرب"كفء" ولما عجز عن الأنفاق صرف من البند المخصص للأنارة العمومية وترك السكان في ظلام دامس.في نهاية الموسم الكروي رسب الفريق في ذيل الترتيب بل وعوقب بغرامات مالية بقيت دينا في ذمة البلدية الفقيرة أصلا. فما كان على الرئيس الا حل الفرع الكروي واحالة المدرب على التقاعد واللاعبين الى الشارع كما كانوا من قبل. أما السكان المساكين فتعودوا على الخروج ليلا والشموع بأيديهم  خوفا من الوقوع في حفرة من الحفر التي"تزخر بها البلدية"
مترشح حر لم يفلح في أكاذيبه فعلق على الاخفاق بقوله – الحمد لله  الذي نجاني من أن أرأس هذا "الغاشي" أي يعني بهم الناس الغلبة.
والأمر من كل هذا أن نائبا بالبرلمان ترك القرية التي ينحدر منها والتي ساندته طيلة الحملة فحلا له المقام ولم يغادر العاصمة منذ أن حل بها بل نسي أهله أولاده وزوجته واختار عنها "فاتنــــــــــة" من (فاتـنات نزار قباني). يـتـفق عليها من الأربعيـن مليــونــا . وكلما اتصل به أهله عبر الهاتف قلقين. رد بجملة حفظها عن التلفزيون الجزائري( نعتذر لظروف خارجة عن نطاقنا)........
أخي  القارئ . في انتظار انتخابات قادمة .وبروز وجوه  انتخابية جديدة ... اشرب زعتروتفرج على....... "اليتيمة".فعند اليتيمة الخبر " اللعين".


                        تعديل الدستـــــــــــــــــــور- صـوتـــوا...أو لا تصوتوا...

            التعديلات الدستورية المتوالية التي ما فتئت السلطات الجزائرية تجريها منذ الاستقلال أفقدت  للدستور معناه وقيمته الحقيقية بل وجعلت منه مجرد قانون  أو مرسوم  يسن من طرف الدولة وليس كمرجع لجميع القوانين. تأتي به السلطة لقضاء مآرب سياسية بالدرجة الأولى ثم ما تلبث أن تعلن بعد عشرية من الزمن عن تغيير جديد وهكذا. ولتخوفها من عزوف المواطنين عن التصويت وعدم اكتراثهم بما يحتوي من نصوص (أغلبها شكلية ومحسنات بديعية ومرحلية ) ككل مرة. لجأت السلطة كما رأينا في التعديل السابق الى البرلمان الذي لا حول ولا قوة له الا رفع الأيدي وكما كان متوقعا لم يرفض لها  طلبا مادامت الزيادات تتــوالى والامتيـــازات  تـتســـارع . دستور تسطر خطوطه الطويلة والعريضة السلطة ثم  ترمي بمسودته الى أيدي رجال قانون(مختارين) لمطالعته  وفي أذهانهم المرامي والأهداف التي تبحث عنها السلطة التي يعود اليها المشروع لاقراره أو رفضه ومن ثمة وضعه للاستفتاء. وكنتيجة حتمية لذلك التصرف يحاك الدستور على مقاس ضيق من الرؤى والأهداف وقد تدخل في نسجه أياد أجنبية. فلا يطول أمده حتى تظهر به ثغرات كثيرة يستوجب تداركها بتعديل آخر. وهكذا دواليك.. . وغالبا ما يصاغ الدستور وفق خليط من  المواد والبنود  أغلبها مأخوذة عن دساتير شرقية وغربية أي بعيدة عن المجتمع الجزائري بتراثه وعاداته ومكوناته البشرية لا يجد فيه الجزائري ضالته. كما وتتداخل في الصياغة مفاهيم العولمة وذلك  ارضاء لأبواق الخارج الذي أصبح  يتدخل بشتى الطرق بل ويضغط لسن  القوانين التي تتلاءم ومصالحه  مما أدى الى بروز شكل جديد من أشكال التبعية  السياسية والثقافية والسلوكية فانغمس المجتمع دون أن يدري في نمط حياة هو فيه تائه بين الصواب والخطأ.وكما يقول المثل الشعبي(جا يمشي مشية الحجلة ضيع مشيته). في الدول التي تحترم شعوبها   الدستور هو ميثاق الأمة ودليلها وحامي مقوماتها لاتؤثر عند وضعه نزوات شخصية ولا حزبية أو طائفية باعتباره القانون الذي فوق الجميع . دعونا نجرب مدى صدق نوايا السلطة هذه المرة ولعل أحسن اختبار هو هل يستطيع الدستور الجديد الفصل بين السلطات؟
 ان  فصل السلطات هو أول ما يجب أن يشغل بال القائمين على مراجعة الدستور الجديد فاستقلالية القضاء حجر الزاوية في ترسيخ مفهوم الديمقراطية ودولة القانون  وبدونها لا يمكن الحديث عن أي تعديل مهم .  ان كان القانون فوق الجميع كما هو الشعار المتداول حاليا فيجب استبداله بعبارة-
     القضـــاء فوق الجميع- في اشارة واضحة الى محو هيمنة السلطة التنفيذية بطريقة أو بأخرى على القضاء. وكلنا يعلم أن القاضي عندنا مسير وخاضع لارادة السلطة في كثير من الحالات خاصة في قضايا حساسة ذات صلة بدواليب الحكم. ولتحرير القاضي من تلك التبعية يمكن الاعتماد على  هيئة حقيقية و حرة لا دخل فيها ولا مكان فيها لرئيس الجمهورية ولا لوزير العدل . بعد ذلك يمكننا الحديث عن النظام الواجب أن يتبع – رئاسي أم برلماني- والأفضل في هذه الحالة أن نحافظ على النظام الرئاسي الحالي مع تعديل في الصلاحيات الممنوحة للرئيس والا تحول الحكم الى نظام دكتاتوري أكثر منه ديمقراطي. ولأن النظام البرلماني خليط الحساسيات متعدد المصالح والتوجهات  وبطيء في اتخاذ القرارات فقد يجعل الحكومة أكثر عرضة للابتزاز وأقل مردودية بل وقد يخلق نوعا ما صراعا بين السلطتين التشريعية والتنفيذية يعطل سير البلاد والعباد. كما هو الحال في بلدان عديدة.أما فيما يخص البنية الاجتماعية  فيجب أن تحظى المرأة الجزائرية بمكانة تليق بدورها الرائد في التحرير وفي بناء المجتمع ولتكريس تواجدها الكامل على الساحة الوطنية في جميع المجالات يمكن توسيع مكانتها في التسيير السياسي ومنحها فرصة مزاحمة الرجل في بناء المجتمع وفي التنمية  والاقتصاد.بعيدا عن فكرة سد الفراغ ولعب الدور الثانوي الذي تؤديه حالياوتستعمله السلطة واجهة لتحرر المرأة وللديمقراطية عموما. تنال بها رضا الجمعيات والهيئات المدافعة عن المرأة داخليا وخارجيا.
وان معالجة قضايا الأسرة بترسيخ مبادئنا الاسلامية وعاداتنا الموروثة على مدى عصورهي السبيل الأمثل لرأد الصدع الذي يكاد يذهب بمفهوم العائلة وامتدت سلبياته الى المجتمع ككل. . في المجال التربوي يمكن القول أن تراجعا قد سجل  خاصة في سلوكية الفرد الذي غابت عنه خصال كثيرة عرف بها من قبل.ولا بد للمدرسة أن تلعب دورها كاملا غير منقوص في بناء مجتمع سليم و أن تولي أهمية في تنشئة جيل متشبع بالأخلاق الاسلامية والانسانية ملتف حول وطنه وغيور على وطنيته.ولن يتأت ذلك الا بمراجعة شاملة للمنظومة التربوية وتحديد أهدافها بادماجها في الواقع المعاش ومتطلبات المجتمع المستقبلية بتكوين ممنهج وسليم يراعي آفاق وطموحات البلاد في شتى المجالات.واعطاء أهمية للتكوين المهني والعمل اليدوي . لاتزال الحريات المدنية غير واضحة المعالم فهي تفسر حسب الغاية وكل من الشعب والسلطة يتهم الطرف الآخر بالتعدي على الحريات العامة.ان حالة الطوارئ ومحاربة الارهاب لا تفرض على البلد الخضوع الكامل ولفترة طويلة للهيمنة الأمنية التي يجب تحديدها في الزمان والمكان كلما دعت الحاجة الى ذلك دون المساس بالحريات الفردية للناس.
 الصحافة وهي السلطة الرابعة لها دور جد حساس في الكشف عن عيوب التسييـر وفي محاربة الآفــات  ولتنجح يجب أن تتحلى بالصدق والموضوعية دون المساس بالثوابت . دورها ريادي فهو المرآة التي يرى فيها المجتمع نفسه وكذلك الادارة التي يجب أن تسهل عمل الصحافيين دون ضغوط أو مساومات.
                                                                                                                                                                   ..../......

                  من واقعنا المــــــــر     ريح الجنـــــــــــــــــــــــــــوب                                        


ريح الجنوب الذي هو موضوع اليوم ليس هو ذلك الفيلم الذي أخرجه "حمينا" ولا هي الريح الرملية التي تأتينا أحيانا من الصحراء.  ريح اليوم هي في الحقيقة نسائم خرجت من أفواه أبناء الجنوب الجزائري عندما قالوا لا للتهميش والحقرة . لا للفقر ولا للبطالة  و لا للعبارات المعسلة ولا" للمناسباتية " والترقيع الاضطراري الذي سرعان ما يتلاشى بمجرد أن تهدأ العاصفة. عرفوا ذلك في أماكن شهدت احتجاجات مماثلة وانتهت بوعود ذهبت أدراج الرياح.
 السياسة المنسابتية التي يقودها وزراء في مهمة أشبه ما يكونون فيها برجال الاطفاء سئم الشباب منهم ومن رؤيتهم يوزعون الابتسامات ويلقون الخطب والوعود ثم يعودون الى مكاتبهم بالعاصمة حاملين" رايات النصر" .
ما يحدث اليوم بالجنوب وبأماكن أخرى بالبلاد هو بداية "استفاقة" جديدة وعهد جديد لامكان فيه للتنويم .
ان الحديث عن أيادي أجنبية وتربص من الأعداء أضحى أضحوكة في نظر المواطنين خاصة بعد بروز فجر جديد عم البلدان العربية . ما جدوى توزيع الملايير ذات اليمين وذات الشمال دون وضوح تام للرؤية المستقبلية لهذه الأمة .تصوروا معي مصير البلد لو كنا لا نملك الملايير. هل يجهل مسئولونا أن الثـروة الحقيقية تكمن في العنصر البشري وليس في تراكم الأموال التي لم تجلب لنا في آخر المطاف سوى آفات الفساد التي عششت في المكاتب الحكومية باختلاف مستوياتها .فلولا "البحبوحة المالية" لما عبث المسئولون بالأرٍصدة البنكية للدولة ولما سنوا لأنفسهم قوانين "النهب" الواضح والمستتر. ولما توغلت آفة الرشوة في نفوس القائمين على تسيير دواليب الادارة والاقتصاد. ولقد انصهر الجميع-مع الأسف الشديد- في بوتقة واحدة فهذا المعلم وهو القدوة "المزعومة " لا يتوقف عن المطالبة بكل صغيرة وكبيرة وهذا الامام "المصلح"   الذي تحول الى ببغاء يردد ما (يقولون له) مقابل راتب مغري .وهذا المنتخب القابع على كرسيه يتربص بالناس للنيل من أموالهم بطريقة أو بأخرى. وهذا الرياضي المدافع عن شرف الوطن لا يتوقف عن مطالبه برفع المنحة. كثيرون لم يعد شيئا يغنيهم سوى مراجعة ما وصل اليه سعر برميل النفط وما يستطيعون ابتزازه بالمناسبة من خيرات. ولو حوسبوا على ما يقدمونه مقابل ما يحصلون عنه لما استحق  أحد منهم الا القليل القليل .
ان سياسة "التضميد الاستعجالي" لم تعد تجد نفعا في ظل التراكمات السابقة لأخطاء في التسيير و لبرامج تنموية  تأخذ أكثر مما تعطي باعتبار أن المستفيد الأول هو ذاك المقاول أو تلك الشركة الخاصة أو ذلك المتعامل الاقتصادي الذي يصرف من مال البنك ولا يدفع ضرائب ويستفيد من اجراءات الجمركة وفي الأخير يشغل من يشاء ويطرد من يشاء دون سابق انذار.. شباب اليوم يريد الملموس والعقلاني .لا يريد أن تمنحه صكا لشراء شاحنة لا يجد ما يحمل فيها أو تمنحه محلا "تجاريا" لا يلبث أن يغلقه.هو يريد أن تستثمر هذه الأموال في بناء معامل ومصانع واستصلاح أراضي باعتبارها الكفيلة وحدها باستيعاب اليد العاملة واتاحة الفرص لاندماج الشباب في المجتمع
" أنـــــــــــام"وكالة التشغيل آخر "عيطة" أي خرجة للحكومة والحقيقة أن كلا من دخلها " نـــام ".فهي
مدرسة يتعلم فيها الشباب الكسل والاعتماد على الدولة دون أن يبذل الكثير منهم أي جهد يذكر.كم عدد المسجلين ب"أنام" الذين يتقاضون رواتب دون أن يتذوقوا للعمل طعما. سياسة تذكرنا بالسبعينات أين كانت المصانع مكتظة بعمال نيام يستفيدون مقابل ذلك من أرباح موسمية وسنوية جزاء اتقانهم للنوم.
أهكذاتستثمر السلطة في رأس المال البشري؟ تعلمه ما لا ينفعه مقابل صمته عن ما ينتفع به من هم في سدتها؟
أبناء الجنوب يعانون العزلة والفراغ ويستمعون و يتفرجون بفضل الصحافة على مهازل عشرات الاختلاسات من المال العام الذي تتدفق ثروته من بين أقدامهم الحافية . ينظرون من خلال القنوات كيف يتلاعب "الخليفة" بالملايير وكيف يعيش"  شكيب"عيشة الملوك وكيف ينهب العقار بالدينار الرمزي وكيف توزع مناصب عليا وكيف يعين السفراء والولاة لا لكفاءاتهم ولكن حسب خنوعهم . طفح الكيل بهم رغم حبهم الكبير للوطن ورغم وطنيتهم التي لا يمكن لأحد أن يشكك فيها لحظة واحدة . ليست  مطالبهم أطماعا ولكنها حق من الحقوق التي جاء بها الدستور. لا يطمعون في مسك النجوم . انهم بكل بساطة يطمعون في العيش فوق هذه الأرض الطيبة وتحت هذه السماء الجميلة, جمال هذا الوطن الكبير بشعبه. الواسع بأرضه. الغني بثرواته.
 أبناء الجزائر بالجنوب الجزائري يريدون أن تهب ريحهم ريح برد وسلام ولا ريحا صرصارا عاتية.
       في انتظار أن يتفهم الساسة حالهم. اشربوا أعزائ القراء زعتر ساخنا وتفرجوا على "اليتيمة" .
فان عند اليـتـــيمة الخبـــر يـبـــدأ دائما بالجملة "في اطار سعي الدولة للقضاء على الفوارق......".     

 

mardi 7 mai 2013


                                                      نهــاية المشـــــــوار
      قـالـت  وهي تـتـحسس خدي زوجها
-         ما بك ؟ هل تشعر بألم؟
-         لا مجـرد  ارهاق رد عمار.
  ليسـت هذه هي المرة الأولى التي يخفي فيها عمار الآلام التي تنخر جسده. مريم أدرى بذلك وهو ما دفعها الى القول
-         لا تقلق سنجد من يأوينا الليلة وغدا نغادر الى قريتـنـــا.
-         ترى هل سنوفـق في العودة؟ سأل عمار في حيرة.
-         طبعا. ولو أدى بنا ذلك الى السير على الأقدام.
-         تعال احتم تحت هذه السقيفة. سأطرق كل باب علني أجد قلبا رحيما يأوينا الليةفي انتظار الغد. لن أتأخر كثيرا. ودون انتظار اندفعت في ظلمة الليل. راحت تطرق الأبواب الموصدة  الواحد تلو الآخر وفجــأة سمعت صوتا ينـبـعـث من خلفها من بعيد فالتفـتــت نحو مصدر الصوت . انها الجهة التي تركت بها عمار منذ قليل. توقفت عن طرق الباب. أرهفت السمع فاذا بأحد يقول
-         انه يحتضر. مسكين. من تراه يكون؟
قفلت مريم عائدة بخطوات متسارعة. قاومت الريح. تملصت من أغواء الظلام  ثم جرت .
حول عمار التف ثلاثة أشخاص جاؤا لا تدري مريم من أين. ذلك لا يهم. لوكانوا هنا قبل دقائق لكان موقف مريم منهم شيئا آخر. أما الآن فحضورهم عديم الجدوى.فعمار اآن ممدود على ظهره وسط بركة ماء المطربعيدا قليلا عن السقيفة التي كانت تأويه.حول جثته الهامدة شق الماء طريقه مكونا ساقية كأني به يستعجل تغسيله.
اقتربت مريم من عمار مررت يدها على وجهه كأنها تريد أن تـتـحـقـق . تقدم رجلان  من الواقفين فحملا الجثة وانطلقا بها
سأل أحد الحاضرين
-         هل كان مريضا؟
ردت في تكاسل
-         بلى . منذ مدة.
-         هل لديك أقرباء؟ أو أبناء ؟
-         أجابت في ارتباك
-          لا..لا.
 ومررت لسانها على شفتيها المبللتين. كان لهما طعم مالح  فأيقـنــت حينـئـذ أنها دموعها .
    ذكرى تلك الليلة بقيت راسخة في ذهن مريم الى الأبد وقادة كنار غريبة.
بماذا احتفظت في ذاكرتها؟
بكل كلمة. بكل حركة. بل بكل التفاصيل. ليلة مرة لا تنسى. لا زالت تتـذكر ذلك الاسطبل الذي حمل اليه عمار حيث وضع جثمانه على التبن وقبعت هي بجواره . كيف انحنت قليلا فلامس وجهها للمرة الأخيرة وجه عمار.
ومرت الأيـــام. وأعادت مريم جمع القطع المتـنـاثرة من حياتها الا قطعة واحدة. عادت أخيرا الى حيث كان عمار يريد لها أن تعود.
توقفـت العربة في رجة نهائية. نظرت مريم من حولها الى الطبيعة فاستعادت فجأة جزءا من وجدانها المنهك . ونزلت  فأحست بالثرى من تحت قدميها وبكت.  أيام الماضي لم تعد الآن سوى ذكرى . من الدار التي توقفت  أمامها العربة خرج شخص . تقدم مبتسما مرحبا.
انه حفيدها (صابر) . ومن خلفه  أمه فاطمة. وفي غمرة الفرحة باللقاء  نظرت مريم فقرأت في عيني ابنتها كم سؤالا.
فقـــالــــت – سأقص عليك  ما حـــدث فيما بعد.....

      مريم القروية  التي لم تثنها سنوات الجمر لا ترضخ بسهولة . لقد تعودت  على الكد وعلى العيش مما تنتج يداها . ان مريم  التي صمدت في وجه محن الطبيعة  لا تهزم اليوم بسهولة هكذا. لذا يجب عليها الرجوع الى الميدان الذي ألفت الفوز فيه على المصاعب صحبة عمار. وان الموت بين أحضان الطبيعة لأهون بكثير من العيش بين أكوام الزبالة.
في خضم انشغالهما بكيفية العودة الى القرية وبحثهما عن من يوصلهما اليها لم ينـتـبه أي من الزوجين الى تلبد السماء المنذر باقتراب قدوم عاصفة رعدية والتي غالبا ما تســبـب دمارا في مثل هذا الوقت من فصل الصيف. أدى التغيـيـر المفاجئ الى هبوب رياح عاتية تناثر من جرائها الغبار عبر الأزقة تبعـها سقوط رذاذ  سرعان ما تحول الى أمطار شبه طوفانـيــة غمرت مياهها الشوارع وامتدت سيولها الى داخل المباني الهشة. سارع الناس الى الاختباء بالمنازل وبالمحلات ولجأ عمار ومريم بدورهما الى الاحتماء خلف جدار احدى البيوت لكن شدة الرياح أجبرتهما  البحث عن ملجأ أكثر أمنا. اندفع الزوجان مطأطأي رأسيهما حتى وصلا متجرا فالتحقا بالمحتمين به.
-         لن تطول العاصفة. قال عمار بلهجة مختنقة. في محاولة منه للتقليل من روع مريم التي التصقت جبتها المبللة بجسدها النحيف.
الكل داخل المتجر الصغير يتعجل توقف الأمطار والرياح للعودة الى بيته أو ما بقي منها صامدا ربما في وجه الرياح. الا عمار ومريم فكانا يتمنيان البقاء بالمكان اتقاء لما يحدث بالخارج. بعد أن ظن الجميع أنها نهاية العالم بدأت العاصفة تهدأ شيئا فشيئا فشرع المختبئون في مغادرة ملاجئهم  وهم التاجر باغلاق المحل. ليجد الزوجان نفسيهما ثانية بالشارع وقد عم ظلام الليل ليضفي على المدينة جوا من الرعب لا مثيل له.

    مع اطلالة الصبح ودع عمار مضيفه شاكرا مستعجلا وانطلق ومريم في البحث من جديد يسألان القاعد والقائم الكبير والصغير البقال والخضار فما استطاع أحد أن يجيب بما يبشر .
       وحل منتصف النهار والتائهان في بحثهما مستمران. وأحس عمار لأول مرة منذ أن وطأت قدماه أرض المدينة بمرارة الفشل .
  ومرا في طريقهما بنفر من الأطفال يلعبون بكرة من قماش وسط ساحة مهجورة. وقعت عين مريم على أحد الصبية شبها لها أن ملامح وجهه غير غريبة عنها فتمهلت في مشيها وراحت تحدق النظر فيه ثم اقتربت منه وسألته
-         قل لي يا ولدي ألست من عائلة رمضان؟ الشيخ رمضان...
 هم الطفل بالابتعاد. نظر يمينا وشمالا وكأنه يبحث بدوره عمن يحميه من هذه المرأة الأجنبية. ثم ما لبث أن عدل عن رأيه وقال
-         رمضان جدي. من تكونين ولماذا تسألين عنه؟
-         لأنني يا ولدي من عائلته. أليست جدتك سعدية؟
   قـطب الطفل حاجبيه ونظر الى رفاقه الذين التفوا من حوله
-         أجل جدي رمضان وجدتي سعدية . لكنهما ماتا منذ مدة.
  صدمت مريم فوضعت  يدها على فمها متأثرة بوقع الخبر ثم جمعت أنفاسها وقالت
-         خذني الى أمك أريد أن أراها.
   سار الولد ومن خلفه عمار ومريم يتبعهم رتل من الصبيان حتى اذا ما بلغ بيتا من الطوب ضرب على بابه الخشبي المتهالك تارة بيده وطورا برجله وهو يصيح
-         أمي .. أمي... امرأة تريد التحدث اليك...
  فتحت أم الطفل الباب وأطلت بوجهها . وما أن رأتها مريم حتى أيقنت أنها بنت سعدية . سبحان الخالق المصور. صورة طبق الأصل. دنت مريم من المرأة مبتسمة لكن فرحتها سرعان ما تبددت.
- لا ما عندنا دقيق ولا ملبس. اذهبي بعيدا. انصرفي. وأنت .مشيرة الى ابنها.  ادخل حالا  والا...
وبسرعة البرق أمسكت بذراع  ابنها وجرته اليها  ثم أغلقت الباب بقوة في وجه مريم وعمار مما استرعى انتباه الأطفال الذين انفجروا ضاحكين..
حاولت مريم التلفظ بكلمات لكن لسانها لم يطاوعها تراجعت  الى الوراء. لقد  شعرت فجأة بذل شديد .
لمن اللجـــوء الآن؟                            
استدارت مريم الى عمار لعلها تستقرئ في نظراته جوابا. لكن الرجل بقي صامتا مبهوتا.
لم يعد هناك مجال للشك. لا بد من العودة الى القرية . لا أحد هنا يهتم بمصير الآخر. أمثال مريم وعمار كثيرون. هناك مشردون يفترشون الرصيف ولا أحد ينتبه الى حالهم. أمهات. أطفال أيتام مستلقون وسط ركام من الأوساخ بملابسهم الرثة. نسوة على قارعة الطريق تستعطفن المارة للظفر بقطعة خبز أو بعض الفرنكات . سألت مريم نفسها – هل أريد أن أتحول الى واحدة منهن؟  لا . ردت في عزةنفس – مريم التي كانت بالأمس ابنة كبيرقومه لا ترضى لنفسها أ ن تـتـحــول الى متسولة. 

lundi 6 mai 2013


    - توقف قليلا .رجلاي لا تطيقان التحرك . هكذا ترجت مريم زوجها لما أحست بالتعب ينخر قواها.
       فرد عمار
-         واصلي السير ولو قليلا علنا نجد ملجأ نأوي اليه.
    ومع مرور الوقت أحس عمار بدوره بحرارة شديدة تغزو جسده وشعربرجلية ترتعشان. فتوقف وأسند جسده النحيف والمرهق الى جذع شجرة  بينما اتخذت مريم من جدار احدى البيوت  متكأ. لم يتفوه أحد بكلمة وراحا يترقبان أي حركة قد تدب بالشارع المظلم فتكون لهما ربما حبل نجاة . مرت الدقائق بطيئة والزوجان على أهبة الاستعداد لكل طارئ. فجـــــأة فتح باب أحد المنازل المقابلة من جهة الرصيف الآخر فلاح منه نور باهت انعكس ضياؤه على الجدارالذي آوت اليه مريم . خرج من البيت رجل يحمل كيسا وضعه على حافة الرصيف ثم هم بالدخول. تردد عمارقليلا ثم صاح
-         يا أخي... يا أخي.....
التفت الرجل خلفه ثم  تقدم  في اتجاه الصوت بحذر وما أن لمح الزوجين حتى أسرع نحوهما سائلا
-         من تكونا ؟ وماذا تفعلان هنا في هذا الظلام الدامس؟
أجــاب عمار
-    نحن من قرية الجبل  .   انـنـا بصدد البحث عن منزل أحد الجيران القدامى يقال له رمضان. عرف الرجل أنهما غريبين عن المدينة. فأطرق هنيهة ثم قال مازحا

-         وهل تظن أنك ستجد رمضان هذا في ظلمة الليل أم أن صاحبك هذا خفاش أم فأرلا يخرج الا بالليل. هيا بنا يارجل خذ زوجتك واتبعني.سنتحدث بداخل البيت. ذلك أفضل.
لم يتردد الزوجان في اللحاق بالرجل.
منزل  متواضع صغير ليس بالشكل والجمال اللذين كانت تتـصـورهما مريم عن مباني المدينة فالغرفة الوحيدة كانت أشبه بالكوخ الذي ودعته . أثاثها عبارة عن خزانة وحصير من الحلفاء ومائدة رتبت عليها بعض الأواني . باحدى زوايا الغرفة أقيمت مدخنة من الطين وبالقرب منها كانون الفحم عليه قدرمن الفخار. على الحصير المطروح على الأرض جلست امرأة وأمامها صحن به طعام الكسكس. توقفت المرأة عن الأكل وهمت بالترحاب  ثم أشار اليها الرجل فسارعت  بتقديم العشاء لضيفيهما..
بعد الفراغ من الأكل جلس الرجلان في ركن من الغرفة يتبادلان أطراف الحديث في أمور شتى عن صباهما وكيف قضاياه . عن الفلاحة. عن الحياة في الريف  وفي المدينة. بينما تطرقت مريم ومضيفتها الى معاناتهما اليومية والأمراض التب تنخر جسديهما فعلمت مريم أن المرأة تجاوزت الخمسين ولم تنجب. وأن زوجها ينحدر من جبال القبائل وكان مقيما بفرنسا لكنه عاد نهائيا بعد أن وصل سن التقاعد.
وأخذ النعاس من الجميع  فناموا نوما عميقا. 

         بعد ساعات من السيرالمضني وتحت حرارة شمس متوهجة اقتربت العربة الصغيرة رويدا رويدا من المدينة فلاحت  في  الأفق البعيد المنازل المتراصة والمتقابلة  والمغطاة بالقرميد الأحمر.عند مدخل أول شارع 
         أوقف السائق سوط  الحمار كي يخفف من  السرعة وراح يجوب الأزقة محذرا بصوته الغليظ  المارة الذين اكتظت بهم الشوارع و الأرصفة الى أن بلغ السوق الشعبية.وهنا  اعترضت سيره عربات الخضر المنتشرة في فوضى في الساحة على الأرصفة وفي الشوارع القريبة المطلة على المكان فلم يتمكن من مواصلة السير مما اضطره الى التأسف للراكبين داعيا اياهما الى الترجل. فنزلا في حركات متثاقلة كأنهما يرفضان النزول. وسارع عمار الى افراغ العربة من حملها شاكرا صاحبها على ما بذله من جهد .
وبدأ المشـــوار... أوقل  فصلا من فصول مغامرة غير متضحة المعالم. المتاع ثقيل وعلى عمار أن يبحث قبل كل شيء  عن مكان يمكنه فيــه على أن يعود لحمله عندما يستقر به المقام.سأل المارة فدله أحدهم  على مستودع قريب . تعاون الزوجان في حمل الكيس والصندوق وبعد أن ضمن موضعا للأمتعة . استدارعمار نحو زوجته  قائلا
-         هيا بنا الآن. لابد من البحث عن دار رمضان . قد نجد من يدلنا عنها ان حالفـنا الحظ .
 وانطلقا معا يخطوان أولى خطواتهما عبر شوارع المدينة متأملين ما يحدث حولهما من حركة لا متناهية ومن ضجيج يكاد يصم الآذان.
  اذا كانت مريم تعرف عن الريف كل شيء فهي لا تعرف عن المدينة الا ما سمعته من الناس .
  اذا كان الريف لايزال محافظا على هدوئه وجماله واذا كانت الطبيعة فيه هي لا زالت سيدة تتحكم في نمط حياة السكان وعاداتهم مثل الأم التي تحضن أبناءها الى صدرها خوفا عليهم من الأذى  واذا كان الناس لا يزالون متمسكين بتقاليد عديدة ورثوها أبا عن جد كحساب الشهورالقمرية وتـتـبـع تعاقب الفصول والمواسم الفلاحية  فان المدينة قد ضحت منذ أمد بعيد بكل أثر من تلك الآثـــار.فهنا في شوارع المدينة المنحدرة المتصاعدة والملتوية تارة المستقيمة طورا آخر. انه الزحام اللامتناهي والأوساخ التي تلفظها المطاعم والمحلات والبيوت. هنا في المدينة يجب على المارة الحذر من مغبة الاصطدام بأكياس القمامة و العلب والأوعية  المتناثرة هنا وهناك على الأرصفة الملوثة .هنا في المدينة على الراجل أن يحتاط لنفسه من المتشردين الذين تغص بهم الأزقة الضيقة.  هنا يجب على المشاة النظر يمينا وشمالا قبل المرورالى الرصيف الآخر من الطريق. هنا أهل الحضرلا هم لهم غير ملء البطون والجلوس الى المقاهي والثرثرة . هذه الأسباب وغيرها أنـســت السكان أن يمعنوا النظر في نور الشمس وضوء القمر وأن يتمتعوا بجمالهما.بل أفقدتهم البحث عن سر تواجد أناس غرباء متسلطين  لا يربطهم بهم دين ولا ملة .
  لما ابتعد الزوجان عن السوق وضوضائها شرع عمار في استقصاء الناس بشغف ولهفة يسابق الزمن
-         هل تعرف مسكن السيد رمضان ؟
البعض منهم كان يجيب صراحة ب"لا" والبعض الآخر يحاول معرفة المزيد قبل الاجابة
-         يوجد عشرات من السكان يحملون هذا الاسم. فعن أي رمضان تبحث؟
ويرد عمار
- رمضان الذي انتقل من قرية "الجبل" واستقر هنا بالمدينة منذ سنين.
 فمن الناس من يجيب  بالسلب دون أن يكلف نفسه عناء الاستفسار ومنهم من يحاول لكن دون الاهتداء الى الشخص المرغوب. سل غيري ربما تجد ضالتك. هذا ما استطاعوا قوله.
اقتربت الشمس الى الغروب ولا يزال البحث مستمرا . وأظلم الليل فهدأت المدينة وعم الشوارع والأزقة سكون لا يمزقه الا صوت محرك سيارة  من حين الى حين أو نباح كلاب متشردة أو مواء قطط تتصارع على فضلات مرمية هكذا على الرصيف . وكلما تقدم وخلفه مريم كلما تشعبت أمامهما الأزقة المظلمة المتسخة. فخيل للغريبين أنهما في كوكب لا أحد فيه من البشرغيرهما وكلما تقدما في وسط الظلام انتابهما شعوربالحوف أكثر فأكثر  ونسيا الجوع والعطش  فلم يعودا يفكران سوى في العثورعن مأوى  يقيهما مخاطر الليل في انتظار يوم جديد.

dimanche 5 mai 2013

وحـــان يــوم الرحيـــل.أو اليوم المشؤوم كما أطلقت عليه مريم . داخل كيس من الأكياس التي تستعمل عادة لجمع القمح وحفظ الدقيق وضعت مريم غطاءها المنسوج من الصوف . بعض الأواني وقليلا من الدقيق.ورتبت باقي المتاع كالمطحنة اليدوية الحجرية والمهراس الخشبي وبعض وسائل الطبخ في صندوق خشبي . أمام باب البيت المهجور وقفت  فاطمة وابنها صابرلتوديع المغادرين. لم يكن الفراق سهلا. فما أن عانقت فاطمة والديها حتى علا النواح وتهاطلت الدموع . عجل عمار صاحب العربة بالمضي في سيره الى الأمام فساط السائق الحمار وتحركت العربة محدثة رجة اهتز لها كل من بالعربة . والقت مريم ببصـــرها الى الخلــف . الى حيث يقف صابر وأمه والى الكوخ والى الأرض الطيبة التي منحتها كل شبابها لتغادرها في الأخير مهزومة . بعد أن فعلت بها الأقدار ما فعلت  منذ سن الجنون الى سن الشيخوخة. وهاهي اليوم تـتـوجه نحو المجهول صحبة رفيق العمر يهومان على وجه الأرض دون اتجـــاه وبلا عنـــــوان.لم تستطع مريم تغيير اتجاه بصرها المشدود دائما نحو ابنتها وحفيدها واسنمرت تمد البصرخلفها بعيدا الى أن تحولت القرية الى مجرد نقطة مبهمة وسط الحقول. وأحست مريم بحلقها يجف وباختناق في الصدر فاتكأت على كتف زوجها .فشعر كلاهما عندئـذ باحساس غريـب ممزوج باللذة تارة وبالوحدة تارة أخرى.وراح يصغيان في صمت الى وقع حوافر الدابة وهي تضرب الأرض في مشيها بحركات منتظمة. 

وخالجت ذهن مريم عشـرات الأسئلة تنمو بسرعة تتطور في فوضى  تلتقي لتـتـشــابك كخيوط على نول نسيج آلي وكلما خيل لها أنها اهتدت الى حل توالت أسئلة وأسئلة. وأحست مريم قبل أن تهتدي الى أي جواب أن رأسها يؤلمها. يكاد ينفجر. يجب أن تهدأ لتفكــر بحكمة فيما بعد. هذا الارتبــاك وهذا الاختلاط في ذهنها أقرب ما يكون الى جنـــون. قالت في عشوائية لحاجتها الى التوازن الذي يحدثه الكلام.
-         أتســاءل.. لماذا هم في حاجة الى هذه الأرض البور. ان لهم من الأراضي ما يكفي لبنــاء مدينة بأكملها..
من يدري؟ لعلها ذريعة لارغامنا على الرحيل. وأظنها بداية لعملية تهجير كبيرة سوف تمس كامل السكان.
 وعم الصمت من جديد.. وتاه كلاهما في بوتقة من التفكير.
على الأقل سوف لن يكلفنا الرحيل الشيء الكثير.لازاد لنا ولا متاع.. وجدت مريم نفسها تقول رغم أنفها في سخرية مهينة.
صمت مزقته الزوجة بقولها – لسنا الوحيدين ضحايا هذا المصنع اللعين. فقبلنا كانت سعدية . والمرحوم صهرنا وآخرون ...
  لا ليست الطاحونة  المسؤولة وحدها عما يحدث . كان متوقعا أن تفلت الأرض من بين أيدينا لأننا لم نفكر يوما في الجهر أمامهم أنـنا نحن أصحاب هذه الأرض وليس المعمرون القادمون من ايطاليا ومالطا ومن بلدان أخرى. رد عمار غاضبا .
وعاد الصمت ليخيم على البيت وجالت مريم ببصرها تـتـمـعن جدران الطوب المتآكلة مرددة في نفسها بمرارة
-         هذا الكوخ الذي شيده عمار خصيصا لي والذي حملني اليه ذات يوم في اعتزاز وافتخارسيأخذه الغرباء منا لا لذنب سوى أنهم أرادوا تهجيرنا بعيدا عن أرضنا.
نقل صابر الخبر الى أمه فجـاءت مسرعة على أحر من الجمروقد كسا وجهها الجميل العرق المتصبب على جبينها وعلى خديها الحمراوين فأنبأتها أمها بما جرى وما ينــوي أبــوها فعله.
-         وأين تنويان الرحيل؟ سألت فاطمة في استغراب.
-         سنحاول الالتحاق بالمدينة مثلما فعل من سبقنا الى الرحيل.
-         وهل تظنين أن العيش في المدينة يسير؟
-         يسير أم عسير. لا خيار لنا اليوم.ردت مريم.
-         انكما على خطأ اذا ظننتما أن المدينة أفضل من الريف. الحياة هناك صعبة. تتطلب المال والقوة. وأنتما لاتملكان شيئا .قالت فاطمة في محاولة لصدهما عن الذهاب.
-         منذ متى أصبحت البنت تملي على أبويها ما يجب فعله وما لا يجب.؟..صاحت الأم ثائرة في وجه ابنتها.
   على الرغم من أنها تعودت منذ مدة على سماع مثل هذه الانتقادات الجارحة الا أن مريم أحست بوقع كلام ابنتها يمزق قلبها الحزين ثم ما لبتـث أن شعرت أنها أخطأت بالجهر في وجه فاطمة فحاولت التخفيف من وطأة ما بدر منها ق
-         لا تقولي هذا أمام أبيك .
رأى صابر في هذه اللحظة أنه يجب أن يتدخل لوضع حد للجدل فقال
-         ان بالمزرعة التي أشتغل فيها بيوتا شاغرة سأكلم صاحبها كي يسمح لكما بالسكن في احداها وبذلك ستبقيان بالقرب منا .
-         صابر على حق وصادق فيما يقول.انها والله لعين الصواب. سارعت فاطمة مؤيدة ولكن في محاولة يائسة.
      فالقرار النهــــائي بيد عمار. وعمار لا يريد أن يرى الأرض التي منحها شبابه تدوسها أقدام أناس آخرين وهو ينظر ولا يحرك ساكنا.

samedi 4 mai 2013


  وحـلـت النـكـبـــة.....
  كانت مريم يومها منهمكة في جمع عيدان الحطب لاشعال كانون الفحــم فلم تلحظ قدوم المحضر القضائي ( جورج) أو "النحس" كما يسميه السكان هنا. الموكل من طرف فرنسا بجمع الضرائب  ومتابعة الأملاك العقارية من مزارع وأراضي وبساتين.
حل وارتحل على جناح السرعة  بعد أن أبلغ عمار بالخبروسلمه وثيقة .
  وصلت مريم وعلى ظهرها حزمة الحطب وما أن دخلت  حتى رأت زوجها جالسا  على الأرض منطويا على نفسه واضعا يده على خده وعيناه نحو الأرض مشدودتان لا تفارقانها لحظة. لم يدر رأسه عند دخولها فأدركت بسرعة أن شيئا ما قد حدث.
وكأن عمار أحس فجأة بقدوم زوجته فأدار وجهه نحوها . وجه شاحب وعينان تكادان تقذفان دما.فهمت منهما مريم أن مصيبة ما قد ألمت. فارتعشت قدماها ورمت الحزمة جانبا لتسأل بلهفة
-         ما دهاك يارجل؟ لم أنت على هذه الحال؟ هل تحس بألم؟
-         فأشار اليها في حركة متثاقلة فهمت منها أنه يريد كوبا من الماء.
-         انتظرت مريم حتى شرب زوجها لتعيد طرح السؤال – ماذا حدث؟
-         فاستدار عمار نحوها وقال بلسان متلعثم  وهو يشير الى الوثيقة التي أخرجها من جيبه
-         سينزعون منا الأرض.هذا ما جاء به منذ قليل المحضر (جورج).أمامنا مهلة أسبوع لا أكثر ولا أقل لمغادرة البيت والأرض..
-         ماذا تقول يارجل؟ قالت  الزوجة غير مصدقة.
-         هز عمار رأسه ببـطء مؤكدا ما قاله وما سمعته.ثم أطرق هنيهة وأضاف
-         لقد منحت السلطة الفرنسية هذه الأرض للمعمر صاحب الطاحونة لبناء مخازن للقمح والشعير.
 ووجدت مريم نفسها تصرخ
-         مستحيل أن نتخل عن الأرض. الأرض أرضنا لا لغيرنا. نحن أولى بها من أي معمر. أجيال توارثت هذه الأرض فكيف لنا أن نتركها أو أن نعيش بدونها.
-         يجب أن نفكر في الرحيل. لم يعد لبقائنا هنا أي معنى أو منفعة انهم أصحاب القرار والكلمة الأخيرة تعود لهم..قال عمار
فردت مريم على الفور – الى أين تريدنا أن نرحل وكل شبر من البلد أضحى ملكا لهم.
ولم يرد عمار عن سؤالها. فما ينتظره أكبر من الاجابة عن سؤال مريم. وعليه من الآن أن يتدبر الأمر.

  مع الشروع في بناء المستوصف دبت الحركة من جديد في القرية الصغيرة وعاد ضجيج العمال ليبعث نفسا جديدا في السكان الذين ملوا حياة الروتين  والفراغ الممـيـت . وقل عدد البطالين فتحسنت ولو قليلا ظروف معيشة البعض من الشباب الذين انخرطوا بمقاولة البناء منهم البـنـاؤون والمعينون والحراس. وهكذا وبعد أن كاد اليأس يتلف العقول والأبدان بعثت الروح مجددا ولاح بريق طفيف لأمل ضئيل في رؤية انتعاش الحياة. قالت مريـم وهي تخاطب ابنتها ذات يوم – ليت الأشغال تنتهي قريبا فأعالج هذه الآلام التي تنغص جسدي وتؤرق نومي. فردت فاطمة في تهكم –
وهل تظنينه زاوية من تلك الزوايا الدينية التي يقيمها أولياء الله الصالحين تأوي وتطعم بالمجان؟
ان هذه العيادة انما تـبـنى لصالح المعمرين وذويهم لتكون قريبة من مزارعهم . أما نحن فنأتي في الدرجة الدنيا من اهتمامات السلطة الفرنسية
قالت الأم – لكن أباك أخبرني أن هناك مستشفيات تقدم العلاج بدون مقابل.
قالت فاطمة – ان ذلك متوفر في بلدان حرة الحكم فيها لسكان البلد .
فردت الأم – كثيرا ما أسمع الناس يتحدثون هذه الأيام عن الحرية. ولا أفهم معناها.
وبينما المرأتان في تحاورهما اذا بعمار يملأ صدر البيت ليصرخ في وجههما – اخفضا صوتكما . ان للجدران آذان. ثم متى كان للنســـوة مجال آخر يتحدثن فيه غير شؤون البيت وتربية ألأطفال..
سكتت الاثنتان لأنهما تعلمان ما يقصده عمار والتزمتا الصمت عملا بنصيحة الرجل. لكن بداخل كل واحدة كان يدور ألف ســؤال وســؤال...

vendredi 3 mai 2013


  الآن وقد جاوز عمار سن الستين من العمر فان قوته  بدأت تفتــر مع مرور الأيام وهو ما جعله لا يقدر على بذل كل ما تتطلبه الفلاحة من جهد فلقد صار يشكو آلاما في مفاصله وكم من مرة أجبره المرض على التوقف عن العمل. ما جعل مريم كعادتها تمده يد العون غير أن ذلك لم يكن كافيا فخدمة الأرض من اختصاص الرجال. كما كان يقول عمار.
-         ان زوجك بحاجة الى الراحة ويجب أن يتناول بعض المقويات كي يستعيد جزءا من صحته. قال الحكيم آكلي لمريم بعد أن فحص عمار.
-         لكن عمار لا يحب البقاء مكتوف الأيدي ولو كلفه ذلك  حياته. ثم من أين لنا بالفواكه والحليب والزبدة وما شابهها ونحن لا نملك قوت يومنا؟ . أنت أدرى الناس بحالنا. عقيت مريم على كلام الطبيب.
 قال الطبيب – ان الدواء وحده لا يكفي ولا بد من أخذ قسط من الراحة. ثم أضاف – على زوجك أن يزيح من باله الهموم فهي السبب الأول في نخر قواه.
-         سوف أجتهد في اقناعه. قالت مريم
-         وهل لك غيره؟ ختم الحكيم كلامه مبتسما.
فعلا. لم يعد لها غيره. شقيقاتها لم تعد تسمع عنهن شيئا منذ أن مات والداها.كمال هو الآخــر لا أحد يعرف عنه ان كان حيا أو ميتا.فاطمة وصابر هما أيضا فقدا أعزما يملكان. ولا سند لهما الآن سوى مريم وعمار. ولكن كيف لها أن توفق بين حال زوجها ومتطلبات الأسرة؟ وجدت نفسها تـتـســاءل في حيرة وخوف.

  ما أن نثر الخريف أوراقه على الثرى حتى وضعت فاطمة حملها. مولود جميل الطلعة كامل البنية
قالت مريم وهي تمعن النظر في حفيدها وعيناها تلمعان فرحا وقلبها يدق طربا
-         ان مواليد فصل الخريف يتمتعون عادة بصحة جيـدة.
-         فابتسـمـت الأم الصغيرة ثم الـتـفـتـت الى الرضيع النائم بجانبها ومررت في خفة يدها اليمنى على رأسه قائلة
-         يبـدو في صحة جيدة وهادئ.
-         فأردفت الجدة على الفور والبسمة تعلو محياها
-         كيف لا يكون قويا وهو ابن فلاح وأجداده من الريف ؟
-         وسوف يكون من أكبر مزارعي المنطقة. بل ومن أعظم رجال هذا الوطن. أضافت فاطمة في كبرياء.
-         وبينما راحت فاطمة تناغي صغيرها بلطف. سرح بال مريم واستسلمت فجأة للماضي وذكرياته. يوم ميلاد فاطمة. كأن ذلك حدث أمس فقط. هـنـا بهذا البيت تتـجـدد الذكرى وتـتـجــدد الفرحة. كم كانـت مريم سعيدة حـيـنـها وهي ترى صغيرتها تناغي تداعب وتلهو. كانت شحرورة بالمنزل .
-         ذاع خبـر ميلاد الصبي فأقبلت الجارات تهنئن محملات ببعض الحلويات المصنوعة خصيصا لفاطمة. فمازاد ذلك فاطمة الا بهجة وسرورا.
 ما أن بلغ صبر سن السادسة  حتى راح  يطرح  أسئلة غريبة . قال ذات يوم  لأمه التي لم تكن تنتظر منه ذلك اطلاقا – ما معنى يتيما يا أمي؟
وارتبكت فاطمة التي فاجأها السؤال ولم تدري بماذا تجيـب. كان عليها أن تفكروبسرعة .فقالت متسائلة بدورها محاولة ربح الوقت لتتمكن من الرد بما يناسب – لماذا تطرح سؤالا كهذا؟
-         أريد أن أعرف فقط.
-         ان اليتيم من مات أبوه أو أمه أو كلاهما.
-         وأين أبي؟
-         ستراه لما يعود من السفر. انه يعمل ببلاد بعيدة جدا ولا يستطيع القدوم الآن.
-         ولم لا تطلبين منه العودة؟
-         قلت لك سيأتي وكفى. ثم لماذا تشغل نفسك بأسئلة تافهة كهذه. عندما تكبر سوف تعرف كل شيء.
-         ومتى أكبر؟
-         قريبا ان شاء الله. والآن دع عنك هذا وانصرف للعب ولا تبتعد كثيرا .
وهكذا كانت أولى كذبة من مجموعة من الأكاذيب سوف تضطر فاطمة قولها. كل ذلك كي لا تجرح عواطف ابنها الصغير
لما ذهب الولد يجري تحت عيني أمه وابتعد. جلست على الأرض ثم رفعت رأسها الى السماء وهي تردد – سامحني يا ربي..سامحني....
وقصت  على أمها ما بدر من ابنها فقالت مريم – لو كنت مكانك لصارحته بالحقيقة.
-         ولكنه لا يزال صبيا. انه لا يفقه في هذه الأمور. ومع ذلك فلك الحق كان علي أن أجابهه بالحقيقة. لعل الأيام ستنسيه العودة الى طرح مثل هذه الأسئلة.
ومدت مريم يدها في اتجاه ابنتها لكن فاطمة رفضت أن تمسك بها وخرجت مسرعة . لحقت بها مريم بعد قليل فأبصرتها من بعيد تضع رأسها بين يديها وسمعت بكاءها المتعالي. فأصغت مريم لبكاء ابنتها وبكت بدورها لكن في صمت مثلما تعودت أن تبكي منذ سنين طويلة.

jeudi 2 mai 2013


بعد مرور شهور عن الحادثة المؤلمة بدأت الأسرة تسترجع رويدا رويدا بعضا من توازنها وصادف ذلك اقتراب فصل الصيف
فكان لزاما على عمار  أن يتحرك.
-         يجب الشروع في الحصاد. قال عمار ذات ليلة وهو يمد ظهره لجذع شجرة التوت.
-         لم التسرع ؟   ردت مريم. لم لا تنتظر حتى تتحسن صحتك وتسترجع عافيتك. كانت وهي تكلمه تتأمل جسده النحيف وراحت تسأل نفسها وقد رق قلبها لحال زوجها.
-         كيف يمكن لهاذين الساعدين الهزيلين أن يتحملا مشاقا أكثر؟
وهل ياستطاعة هذا الجسد المتآكل أن يقاوم ؟ ألم يثنه تعاقب السنين الصعاب عليه؟ قالت مريم في نفسها في ألم.
التفت عمار الى زوجته وكأنه أدرك ما يجول بخاطرها ثم قال قي ثقة تامة
-         سترين. ستعود لنا قوانا. ستأتي بها الينا السنابل ونحن نكبش عنها بقوة بين أيدينا.
وبينما هما كذلك في تحاورهما جالسين في ضوء القمر تحت الشجرة يرقبان السنابل في تمايلها وترنحها كما يتأمل الآباء أبناءهم في كبرياء ودلال. اذ بفاطمة تلتحق بهما. انها الآن على وشك وضح حملها. وفي رأي الوالدين أن الحدث  سيكون فرصة كي تغير فاطمة من ميزاجها الذي التزمته منذ وفاة زوجها.
فانطواؤها على نفسها واعتزالها الناس أقلق كثيرا مريم التي لم تعد تحتمل رؤية ابنتها على تلك الحال.
قالت فاطمة وهي تتقدم في هدوء – الحرارة شديدة بالداخل لم أتمكن من النوم....
وسارع الأبوان- كعادتهما- الى التأييد. وهل لهما خيار آخر؟ بل هي الفرصة كي ينفـسا عنها ولو قليلا.المهم أن تتكلم فاطمة وأن تشعر بوجود أناس بقربها وأن تعود لها البسمة من جديد. في انتظار قدوم المولود فان الأبوين لم يتوقفا يوما عن الدعاء للابنتهما وما لبثا لحظة يمنيان النفس برؤية حفيدهما القادم وما قد يحمله معه للجميع من مسرات هم في أمس الحاجة لها.

ككل صباح  منذ أن استقر بالقرية بالقرب  من صهره عمار. خرج زوج فاطمة وعلى غير العادة لم يعد وقد مالت الشمس الى الغروب . فبعثت فاطمة الى أمها تسأل فما كان من مريم الا اخبار عمار الذي كان يهم بدخول البيت. رجع عمار على أعقابه. وفجأة سمع دوي محرك شاحنة فخرجت مريم تستقصي الأمر فلمحت المركبة تقترب من بيتها الى أن توقفت أمام الباب ثم نزل منها رجلان قاما بفتح الباب الخلفي للعربة وأخرجا منها جثة طرحاها أرضا. قال السائق موجها الخطاب لمريم – هل تعرفينه؟ تعالي اقتربي. غير أن رجلي مريم لم يساعفاها وكادت تسقط من وقع الصدمة وحاولت الهرب فلم تقدر.أمسكها الرجل من ذراعها وأعاد السؤال- أليس هذا زوج ابنتك؟ وهنا فقدت مريم وعيها. لما استيقظت كان السكان قد تجمعوا من حولها فأدخلوها البيت وهم يتمتمون كلاما لم تفهم منه المرأة شيئا. ثم حملوا الجثة الى الداخل وغطوها برداء.  وصل الخبر الى عمار فكاد يغمى عنه ولم تساعفه رجلاه في العودة الا بشق الأنفس. وتوالت الأسئلة واختلفت الأجوبة. من الناس من يدعي أن رجال الجندرمى ألقوا القبض عليه متلبسا بسرقة القمح من مزرعة أحد المعمرين فعذبوه حتى الموت.  ومنهم من يقول أن الرجل وجد مقتولا على حافة طريق زراعية. وذهب البعض الى اعتباره شهيدا لأنه رد على افتزاز ابن أحد المعمرين. ولما علم الجندرمى بذلك أرادوا القبض عنه فحاول الهروب وهنا رموه بالرصاص فأردوه قتيلا. وهذا ما اتضح جليا فيما بعد.
وجيء بفاطمة من بيتها القريب وهي على أسوء حال. ظنت بادئ الأمر أن ما تعيشه ليس سوى كابوسا من تلك الكوابيس التي تؤرق لياليها لكن سرعان ما أيقنت حقيقة ماترى. انه زوجها. علا صراخها مدويا تقشعر له الأبدان وارتمت على الأرض تنهش تربتها في حركات أقرب الى الجنون. زوجها العزيز طريح الثرى. ميتا. وأية ميتة. الدم يكسو جسده. ثقب العيارات النارية التي اخترقت صدره بادية للعيان. ياله من منظر رهيب. ووصل الناس من كل حدب وصوب مستفسرين عن ما يمكن تقديمه من مساعدة لجارهم عمار. بعد صلاة الظهر من اليوم الموالي حمل النعش على الأكتاف الى مقبرة"سيدي محمد الشريف"القريبة من القرية بحضور أهل القتيل وجمع من سكان القرى المجاورة  مرددين الله أكبرولا اله الا الله.وعم القرية جو من الخشوع ومن الحزن. وانتاب المودعين ولأول مرة شعور بوجوب الانتقام من الظالم المستبد.وكانت الجريمة التي ارتكبها المحتل الفرنسي في حقذلك  الشاب الجزائري بمثابة بداية مرحلة جديدة من مراحل كفاح سكان هذه القرية . فاذا كانوا من قبل يتصدون بشراسة في وجه الطبيعة القاسية فهم اليوم مطالبون بالوقوف في وجه عدومن نوع آخر سلب منهم حريتهم وهي أغلى وأعظم عندهم من الجوع والعطش. 

mercredi 1 mai 2013


    واصل الجفاف سيطرته. مع مطلع كل صباح ترسل الشمس أشعتها الحارة دون تهاون فتزيد في انفلاق طبقات الأرض اليابسة الضمآنة.المواشي احتملت حياة البؤس طويلا  في انتظار قطرة ماء أو رزمة عشب ولما دب فيها اليأس جرت نفسها جرا نحو الجدول الفاني الذي لم يبق من آثاره سوى الرمل والحصى. فمن تلك الدواب من لقي حتفه قبل بلوغ الوادي ومنها من أدرك الحافة المقـفـرة وهلك ليمسي فريسة لطيور وحيوانات مفترسة أشد ترقبا وجوعا.
أما السكان فمصدرهم الوحيد كان صهريج الماء الذي يأتي به جنود فرنسيون كل صباح.لكل أسرة جراية حسب عدد أفرادها.غير أن التوزيع لم يكن عادلا لأن البعض عمد الى الغش مما أدى بالقائمين على العملية الى الغاء العمل بالحصص  واستبداله بصيغة أكثر عدالة وهي توزيع دلوين اثنين لكل عائلة مهما بلغ عدد أفرادها.
أخيرا وبعد طول انتظار تغيمت السماء وعصفت الريح منذرة بتحول في الطقس. ونزل المطر حاملا للأرض ما يكفيها من ماء بل وأكثر.لقد فات الأوان ظن البعض بينما تمسك آخرون بخيط أمل مرددين أن البذور يمكنها أن تنمو اذا سارعوا الى زرعها.وهكذا شرع الفلاحون في الزرع  مانحين مرة أخرى ثقتهم للأرض واضعين مستقبلهم بين أثلامها. ليعيشوا بعد ذلك فترة الترقب بين الأمل والخوف مما سوف يسفر عنه الغد.
لأسرة عمار ما يكفيها الآن من الزاد ولولأيام معدودات.
دخلت سلمى ذات يوم فجأة على مريم فوجدتها منهمكة في طهي الطعام.لم تلتق الجارتان منذ شهور . وما أن رأت مريم جارتها حتى همت بالترحاب
لقد تغيرت سلمى كثيرا . أي خطب أصابها؟ هل الجوع أثر فيها أم المرض؟ أين ذلك الصدر المنبعث الى الأمام؟ أين ذلك الثبات ومرونة الهيئة؟ وأين الجمال؟
لما فرغت سلمى من الأكل مسحت شفتيها المبللتين بالمرق بكم قميصها العريض وقالت –
أنت تعلمين أنني لا أستطيع القدوم كل يوم فما عليك ياجارتي العزيزة الا أن تعطيني شيئا من الدقيق نسد به الرمق ولو لأيام.
قالت مريم وقد زاد استغرابها من تصرف الجارة – يتعذر عني مدك ولو بالقليل فأنت تعلمين أنني لا أملك من الدقيق الا القليل.ثم والله لقد أوقعتني في حيرة. لماذا لا تلتمسين اعانة من أبنائك.
-         عن أي أبناء تتحدثين يا امرأة؟ ردت سلمى. لقد رحلوا صحبة زوجاتهم وأبنائهم . الكل يفكر في الخلاص.
-         ومرة أخرى لم تجد مريم بدا من تلبية رغبة جارتها مرددة في نفسها- ألم يقل رسولنا الكريم – "لا يدخل الجنة من بات شبعانا وجاره جوعان"