دولـــة الكذابيـــــــــــن
أذاق طاغية شعبه كل أنواع المذلة والمهانة من تجويع وتخويف وأســـر
وبلغ به التجبر الى مطالبة رعيته بما لا يتصوره عاقل. أصدر بيانا جاء فيه أن
الزعيم" يريد تغيير مناصب وزارية حساسة
بالحكومة وذكر منها التربية والفلاحة. وأشار المحتوى
أن المناصب مفتوحة لذوي الخبرة في مجال التماطل والعبث وأن الأولوية ستنمح "للكذابين
المحترفين المتمكنين من القضاء على كل ما هو صدق - قولا أو عملا-.
بعد أيام تقدم المترشحون بطلباتهم مرفوقة بسجل ذاتي للدسائس والاحتيالات
والمغالطات
والتلاعب واللامبالاة وغيرها من الصفات التي لا تليق والتي ما انفكــــوا يمارســونها خلال
حياتهم العملية.
سال لعاب الطامعين والانتهازيين وشرعوا في التحضير للمسابقة بانــتــاجــات
مدوية.
استدعي المقبولون الى مقر الزعيم ووقفوا أما م لجنة المسابقات يتفننون في
عرض أكاذيب
اخترعوها خصيصا للمناسبة.
أقصي من أقصي ولم يتأهل الى الدور النهائي سوى اثنان هما ( بودماغ ) و (بوكرش).
في اليوم الموالي التقى "الكذابان" في بهو الزعيم بحضور أعضاء
اللجنة ومسئولين كبار
بالدولة" الكذابية". أعطيت اشارة الانطلاق لبوكرش. فتقدم وقال
– كان زمن الصيف وكنا
نحصد سنابل القمح بالمناجل نجمعها في حزم لا يقل وزنها عن 5 كيلوغرامات لنحملها على ظهر " بوفسيو" (وهو طائر يشبه إلى حد بعيد مروحية أو حوامة الجيش)
كان "بوفسيو" يقوم بنقل الحزم الى النوادر حيث تدرس ثم يجمع
الحب في أكياس.
ذات مرة ( يقول بوكرش) انتظرت عودة
" بوفسيو" كالعادة لكنه تأخر كثيرا فقررت استقصاء الأمر وذهبت للبحث
عنه. بالطريق المؤدي الى
النوادروجدته واقفا محملا ينتظر.
مابه طائري الصغير؟ قلت
مستغربا.
لما دنوت منه لاحظت ان احدى الحزم التي على ظهره متدلية الى الأسفل عكس
الأخرى المقابلة ,مما أربك توازنه وجعله يخاف من سقوط الحمولة. وهو سبب
توقفه.
نظرت الى الأرٍض فرأيت حبة قمح "ضائعة" أخذتها ووضعتها في الكفة
المقابلة فاستوت
الحزمتان وعندئذ فقط استعاد الطائر الصغير توازنه فواصل سيره مسرعا كأنه يريد تدارك
ما ضاع من الوقت.
أنهى بوكرش كذبته تحت تصفيق
حاد وقهقهــــات من الزعيم .
نودي على المترشح "بودماغ " فأقبل
محييا وأمام الجمع قال –
عدت يوما بعد الظهيرة الى البيت العائلي وما أن اقتربت حتى دوى في أذني طق
الطبول
وأنغام المزامير المنبعثة من دارنا. أسرعت أتعجل معرفة أمر ما يحدث . شققت طريقي
وسط جموع المحتفلين الى أن أدركت أمي. سألتها فما انتبهت لوجودي وراحت ترقص
على
وقع "الزرنة والبندير".
أعدت الكرة فنظرت الي مطلقة زغرودة طويلة ثم ارتمت واحتضنتني وهي تقول بصوت متسارع عال – ولد أبوك.. ولد أبوك ( بضم الواو وكسر اللام ). رحت بدوري أرقص وأغني.. أبي ولد.. أبي ولد. الى
أن نال مني العياء وجف حلقي. فجلست مع المدعوين أنتظر تناول مأدبة العشاء التي أقامتها أمي بالمناسبة.
فجأة علا صراخ احدى النسوة – اختفى الرضيع ...اختفى الرضيع... فأصاب الحاضرين هلع كبير وهرع الجميع للبحث عن أبي المسكين.
ليتني رأيته قبل أن يضيع مني. قلت في نفسي باكيا متحصرا .
خرجت الى فناء الدار حيث شجرة التفاح المتعالية المترامية الأطراف, و رحت أدور حولها ثم رفعت رأسي فاذا بي أبصر والدي متمسكا بغصن من أغصان الشجرة وهو يتمايل طربا , منشغلا بمناغاة العصافير التي التفت حوله
خفت أن يسقط فحاولت الصعود لكنني لم أتمكن من بلوغه. فلقد كنت كلما اقتربت
منه صعد نحو الأعلى أكثر فأكثر
ناديت القوم فجاؤا بالسلالم نصبوها وصعدوا ليتمكنوا
بعد جهد جهيد من (القاء القبض عليه).
فأعدته الى المهد ولم أغادره. قالت أمي بعد رحيل الجميع
– دع والدك ينام . لقد كان يوما غير عادي بالنسبة له. كيف لي أن أنام؟ لقد قضيت الليل قرب سريره أحرسه وكلما استيقظ حاولت تنويمه بأغنية " ماما
زمانها جاية جايــبة معها .... <> فيها
وزة وبطة هآهآهآهآهآ...
أعجب الزعيم " بالكذابين" الاثنين وأمر بتعيين الأول أي( بوكرش ) في منصب وزير للفلاحة
وتعيين الثاني أي ( بودماغ ) وزيرا
للشئون الاجتماعية والتربية وقضايا المرأة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire