vendredi 27 février 2015

                  مـــا حكمـــكم  أنتم ؟

لم يستطع مدير الإدارة العامة إتمام مراقبة الوثائق المكدسة على مكتبه بسبب ألم برأسه. فخرج متوجها الى عيادة الجامعة  والتي لا تبعد إلا أمتارا عن مكتبه. بباب العيادة وجد صديقه الطبيب واقفا فتبادلا التحيات الصباحية ودخلا معا .
لاحظ المدير علامات القلق والغضب بادية على وجه الطبيب لكنه لم يعرها اهتماما .
دخلا معا العيادة وجلسا يتحدثان عن أمور شتى إلى أن وصل يهما الحديث عن الجو الداخلي بالجامعة وعلاقة العمل بين القائمين عليها وهنا تغيرت لهجة الطبيب إزاء محدثه وراح ينعته بصفات ذميمة تفاجأ لها المدير وحاول الرد لكن الطبيب نهض من مقعده ووثب عليه ليباغته بطعنات في بطنه بسكين مطبخ . تمكن المدير من الإفلات من قبضة مهاجمه وجرى للنجاة بجلدته من موت محقق. بإحدى ساحات الجامعة تم التكفل به من طرف عمال النظافة الذين كانوا على مقربة من المكان . نقل على جناح السرعة إلى المستشفى ليغمى عليه في الطريق.
في هذه الأثناء هرع فريق من العمال إلى مكتب الطبيب ليجدوه جثة هامدة  غارقا في بركة من الدم وبيده اليمنى سكين مطبخ. انتقل وكيل الجمهورية رفقة مصالح الأمن إلى عين المكان . بعد المعاينة الميدانية أمر الوكيل بنقل الجثة الى مصلحة حفظ الجثث بالمستشفى نفسه الذي كان به المدير في صراع  مع الموت بقسم الإنعاش  أين دخل الجراحون في صراع مع الزمن  من أجل إيقاف النزيف وتضميد الجراح.
بعد أسبوعين قضاهما في العلاج  المركز تحسن وضعه الصحي مما سمح بنقله أمام وكيل الجمهورية ليباشر معه التحقيق
أخبر وكيل الجمهورية المدير أن الطبيب الذي تخاصم معه قد توفي متأثرا بطعنات في القلب . فرد المدير أنه لم يطعنه وأنه فوجئ بالطبيب يوخز سكينا في جسده  ففضل الفرار دون الرد أو الدفاع عن نفسه لأنه لم يكن  ينوي أي ضرر بصديقه ولم يكن يحمل ما يدافع به عن نفسه وما ذهابه الى العيادة الا من أجل استشارة الطبيب  حول الصداع الذي ألم به . قرر وكيل الجمهورية حبس المتهم كإجراء قانوني وأمني حفاظا على حياته الشخصية من احتمال انتقام عائلي.
وأمر بتحويل الملف الى غرفة الاتهام التي حررت بدورها تقريرا للإحالة يتضمن توجيه تهمة "الضرب والجرح العمدي المفضي إلى الوفاة دون قصد إحداثها". لتنطلق التحقيقات حيث أعد الطبيب الشرعي تقريرا جاء فيه أن جميع الطعنات التي تعرض لها الطبيب ممركزة بمحيط القلب. مع غياب علامات المقاومة أو الدفاع من جانب المقتول. وهو ما يدعم فرضية احتمال انتحار الطبيب. بينما يناقض الاحتمال الثاني الفرضية الأولى لوجود أربع طعنات عميقة أسفل الجسم.
سعت من جهتها عائلة المتهم إلى إثبات براءة ابنها بإجراء اختبارات الحمض النووي على نفقاتها الخاصة  التي أثبتت مما لا يدع مجالا للشك أن بقع الدم التي أخذت من  جسم وثياب الطبيب  ليست للمتهم  وأن بقع الدم التي أخذت من جسم وثياب المتهم ليست للضحية. كما أن السكين الذي عثر عليه بيد الضحية  لا يتضمن بصمات للمشتبه به.
يوم المحاكمة كان يوما مشهودا, غصت القاعة بعائلتي المدير والطبيب . التفاؤل كان باديا على أفراد أسرة المدير خاصة بعد وصول نتائج الحمض النووي لكن سرعان ما اندهشوا عند قراءة قرار الإحالة والذي عدل من طرف غرفة الاتهام الى " الضرب والجرح العمدي المفضي إلى الوفاة قــصــد إحداثها."
حاول دفاع المتهم تسخير جميع أسلحته لكن دون جدوى. مما جعل الكثيرين يتساءلون عن دواعي إحجام هيئة المحكمة عن الاستجابة لطلبات الدفاع في الاستماع الى 21 شاهدا كلهم لصالح المتهم بالإضافة الى نتائج الخبرة العلمية والتخلي عن إستدعاء الطبيب الشرعي ليشرح  احتمال فرضية وقوع الانتحار
بعد المداولات أدانت المحكمة المدير ب 10 سنوات سجنا نافذا بتهمة القتل العمدي.
تساءل محامون عن سبب  عدم  عمل المحكمة بمبدأ "الشك لصالح المتهم".
 فما الذي حال دون استفادة المتهم من "هذا الشك"؟؟

                                                                        الى اللقاء مع قضية أخرى.  تابعوني....
                       ما حكمكم أنـتم ؟

حاول أحد أبناء احدى القرى  أن يبيد أهلها بأكملهم أو أناسا بعينهم  دون أن يدري أحد  من ساكنيها  بحقيقته الوحشية، حيث في كل مرة يستيقظ السكان على جريمة مروعة ، إذ يعمد القاتل إلى “غرس” رأس الفأس في رأس ضحيته، ويدعه يتخبط في الدماء إلى أن يفارق الحياة، وليشرع بعدها شباب القرية رفقة رجال الدرك الوطني في حملة تمشيط واسعة بحثا عن القاتل المجهول  لكن دون جدوى
الكثير من سكان القرية اعتقدوا أن المجرم مقيم في إحدى القرى المجاورة، وهو ما جعلهم يضربون حصارا على القرية وتعيين نقاط مراقبة عند مداخلها، رغبة منهم في الإيقاع بالمجرم، الذي حتما– يقولون- سيعود لارتكاب جريمة أخرى في وقت ما، وبقي التجنيد متواصلا، والشباب مصرون على إلقاء القبض عمن يريد إبادة القرية بأكملها.  وحسب شهود على الحادثة، فإن عشرات الشباب المسلّح بقضبان حديدية وسلاسل وخناجر يقضون ليالي بأكملها في مراقبة مداخل القرية دون أن يتوصلوا إلى شيء، وفي غالب الأحيان لما يكونون بصدد تمشيط محيط القرية لا يصادفون في طريقهم إلا “راعي الغنم ، رفقة نعاجه ومعازه، حيث يرد عليهم التحية ويتمنى لهم التوفيق"”. 
وبقدر ما يمر الزمن، بقدر ما يوقّع القاتل جرائم إضافية في صفوف رجال القرية، ليدوم الرعب عاما كاملا، قبل أن يكتشفوا الحقيقة .....

بعد قراءة محتوى قرار الإحالة  نادى رئيس المحكمة المجرم للتوجه إلى منصة الاتهام، وسأله عن عمره فردّ بالقول إنه بلغ  كذا سنة، وعن مهنته قال “راعي الغنم”، وسأله الرئيس ، إن كان ارتكب الجرائم التي نسبت إليه، فردّ بالإيجاب دون تردد، وسأله إن كان يخاف اللّه، فردّ بالإيجاب  وقبل أن يستمع لسؤال آخر قال إن كل الذين قتلهم “لا يخافون اللّه”.
طلب رئيس الجلسة من المتهم أن يكشف عن الأسباب الحقيقية التي دفعته إلى ارتكاب المجازر، فشرع في سرد قصته، حيث قال “إن البداية كانت مع أحد رجال القرية المعروف بببنيته القوية وجبروته وبانتمائه لعائلة كبيرة يمتد نفوذها الى العاصمة ، لقد استغل ضعف حالتي الصحية والمادية، وتجرأ يوما فدخل بيتي في غيابي، واعتدى على زوجتي، وهددها بقتلي وقتل أولادي إن كشفت أمره.. هي لم تفعل ، لكن كل سكان القرية يتبادلون الحديث في ما بينهم حول هذه القضية التي مست شرفي..”. ويواصل “ذات مرة تركت القطيع في وسط الطريق لأعود إلى بيتي، حيث تأكدت من ادعاءات الناس.. حاولت الدفاع عن شرفي لكن قوته البدنية مكنته مني وأبرحني ضربا أمام زوجتي التي أغمي عليها قبل أن يغمى علي أنا أيضا.. تركني أتخبط في دمائي وانصرف، ولما استعدت وعيي وجدت زوجتي قد فرت رفقة أولادي إلى جهة مجهولة، لأسمع خبر انتحارها ثمانية أيام بعد الحادثة.. الحڤرة والظلم لم يتوقفا هنا فلقد كلف نفرا من أصدقائه وأفراد عائلته وحوّلوني في وسط الطريق العمومي إلى كرة قدم ضربا بالأرجل. وهنا توقف المتهم  قليلا ليمرر يده على عينبه المغرورقتين, تنهد ثم واصل- 
 “انتظرت عاما كاملا لأعد خطتي، حيث أعددت فأسا حادا شحذته.. ، ومنجلا تقليديا.. وكان أول ضحية لي هو المعتدي على شرف زوجتي وشرفي، وسبب انقراض عائلتي، حيث في نهاية سهرة رمضانية اقتفيت أثره من الوراء لأفاجئه بضربة على الرأس أسقطته أرضا، ثم غرست رأس الفأس في رأسه وأخذت المنجل وقطعت له جهازه االتناسلي وتركته للذئاب التي أبت هي الأخرى أن تفترسه.”.
ويضيف الجاني ساردا حيثيات مجازره “أما الجريمة الثانية فقصدت من حاول الاعتداء على شرفي شخصيا من بين المعتدين عليّ، وانتهزت فترة تواجده في حالة سكر لأفعل به ما فعلت بالأول”
وأضاف أن عهدته الإجرامية امتدت على طول 8 أشهر تمكن من خلالها من تصفية كل من تسبب في مأساته، وأضاف أنه لما انتهى توجّه فجر ذات يوم إلى إمام مسجد القرية وطلب منه أن يكشف للعام والخاص أن الراعي انتقم لشرفه. ثم توجّه مباشرة نحو ثكنة الدرك ليسلّم نفسه، وقبل أن يعود إلى مقعده قال لرئيس المحكمة إنه كان ينوي الانتحار، لكنه تراجع   لأنه كان يفضّل أن يرى في خصومه وجه العذاب الذي تحمله شهورا طويلة
في  المرافعات التي تلت سرد الوقائع والتي تتبعها سكان القرية الذين غصت بهم القاعة
قال أحد محامي الضحايا إن المتهم ارتكب جرائم بشعة يندى لها الجبين، وبأن الوحشية التي تعامل بها المتهم  تنم عن تشبعه بالروح الإجرامية، موضحا أن الكثير من الناس ممن  مسوا في شرفهم ،  اكتفوا بالاستعانة بالدولة والعدالة التي اقتصت لهم وفق القانون
دفاع المتهم، من جهته، حمّل المسؤولية للمجتمع الذي لم يرحم القوي منهم ضعيفهم، والتمس من هيئة المحكمة إفادة موكله بالظروف المخففة، خاصة أنه سلم نفسه دون مقاومة لرجال الدرك وساعدهم على تفكيك لغز الجريمة، وأن المتهم دافع عن شرفه وأن خطأه الكبير أنه تصرف بسلطان القلب وتجاهل سلطة العقل .عادت هيئة المحكمة لتعلن عن قرارها النهائي بإدانة المتهم بالسجن مدى الحياة.

                                                                           الى اللقاء مع واقعة أخرى.....

jeudi 26 février 2015

          وينتفض طرطر (3)

أحس طرطر بضرورة تغيير الجو فقصد مدينة اللهو والزهو . باحدى المقاهي وصل به الحال . هاهو جالس يتفرج  على الشاشة الكبيرة للتلفاز ككل الحاضرين رؤوسهم مشرئبة وعيونهم تتواصل مع كل لقطة  .
البعض يعلق والبعض غير مبال . – أين هذا يارجل؟ سأل طرطر أحدا من بدا عليهم الاهتمام بما تبثه الشاشة. هذه عاصمة أحد البلاد العربية , انظر الى ما آلت اليه من دمار بسبب الحرب هناك بين الحكومة
و شباب " كوكو غـرام ". – ومن هم كوكو غـرام؟  حدق الرجل في طرطر قليلا ثم أخذ فنجان القهوة وانتقل الى ركن آخر من المحل. بقي طرطر يشاهد صورا لجثث منتشرة بالشوارع ويتأمل المباني المهدمة على رؤوس أصحابها. انتابه شعور غريب بضرورة أن يكون هناك . الموت هناك متوفر ومن ينجو من الحرب لا يمكنه النجاة  أبدامن الموت جوعا  أومرضا.
لقد رسخت الفكرة ببال طرطر . لا مفر من تنفيذها اما عاجلا أو آجلا. السفر الى حيث يجب أن يكون الى جانب " كوكو غـرام".
أين يجد من يوصله الى هناك؟ يبقى السؤال المحير . قال في نفسه – "كوكو غـرام" أناس ملتحون. وهنا يوجد ملتحون. قد أجد ملتحيا هنا مع علاقة بملتح هناك. قصد المساجد والجمعيات الخيرية  بحثا الى أن
حصل على مراده. التقى بشاب ملتح وحصل منه على صداقة متميزة. كانا لا يكادان يفترقان حتى يلتقيا من جديد حول داعية أو بحلقة تفقيهية بمسجد من مساجد المدينة.
اتفق الاثنان على وجوب الالتحاق بشباب " كوكو غـرام" . وأعدا العدة ونسقا  جهودهما مع مجندين محليين
وهكذا وبعد رحلة شاقة و معابر خطيرة واتصالات بين أطراف متعددة  وصل طرطر و " أخوه في الدين"
الى قلب المعارك. تدربا على استعمال السلاح مدة ثم أقحما في أول معركة . كم كانت فرحة طرطر كبيرة وهو يرى "اخوانا له" يموتون كل يوم. متى يحين دوري ؟ كان يردد دون انقطاع.
ذات يوم اندلعت معركة بين  الحكوميين و" كوكو غـرام" لكن طرطر نجا بأعجوبة من قذيفة سقطت بالقرب منه لكنها لم تنفجر. في معركة جبل " هولولو " باغت الجيش النظامي المدعم جوا بالطائرات  الجماعة من الخلف وقتل كل من استطاع اليه سبيلا ولما تدخلت الطائرات سلطت نيران أسلحتها بالخطأ على الجيش    فأبادته عن آخره.    ونجا طرطر مرة أخرى. كان على طرطر انتظار معركة غابة " الفيران" ليصاب اصابة مباشرة دخل على اثرها  في غيبوبة طويلة رأى فيها نفسه محاطا بفتيات جميلات تحطن به وتروينه شرابا لذيذا . لما استعاد قواه وجد نفسه في سجن محاط بأسلاك كهربائية شائكة قضى به  سنوات شبابه
الى أن أطلق سراحه ونقل الى وطنه الأصلي وبالضبط الى قريته حيث وجد أن كل شيء بها قد تغير.

عاد من حيث انطلق أول مرة, لكن هذه المرة أقسم أن لا يتدخل لا في شؤون " كوكو غـرام " ولا مسائل "كوكو كـــلام "  وأن يعيش العيشة التي كتبها الله له وفقط.

mercredi 25 février 2015


                                        دولـــة الكذابيـــــــــــن


أذاق  طاغية   شعبه  كل أنواع المذلة  والمهانة  من تجويع وتخويف  وأســـر
وبلغ به التجبر الى مطالبة رعيته بما لا يتصوره عاقل.     أصدر بيانا جاء فيه  أن
الزعيم" يريد تغيير مناصب وزارية  حساسة  بالحكومة وذكر منها التربية والفلاحة. وأشار المحتوى
أن المناصب مفتوحة لذوي الخبرة في مجال التماطل والعبث وأن الأولوية  ستنمح "للكذابين
المحترفين المتمكنين من القضاء على كل ما هو صدق - قولا أو عملا-.

بعد أيام تقدم المترشحون بطلباتهم مرفوقة بسجل ذاتي للدسائس والاحتيالات والمغالطات
والتلاعب واللامبالاة وغيرها من الصفات التي لا تليق والتي ما انفكــــوا  يمارســونها خلال
حياتهم العملية.
سال لعاب الطامعين والانتهازيين وشرعوا في التحضير للمسابقة بانــتــاجــات مدوية.
استدعي المقبولون الى مقر الزعيم ووقفوا أما م لجنة المسابقات يتفننون في عرض أكاذيب
اخترعوها خصيصا للمناسبة.
أقصي من أقصي ولم يتأهل الى الدور النهائي سوى اثنان هما ( بودماغ )  و (بوكرش).

في اليوم الموالي التقى "الكذابان" في بهو الزعيم بحضور أعضاء اللجنة ومسئولين كبار
بالدولة" الكذابية". أعطيت اشارة الانطلاق لبوكرش. فتقدم وقال –  كان زمن الصيف وكنا
نحصد سنابل القمح بالمناجل نجمعها في حزم لا يقل وزنها عن 5 كيلوغرامات  لنحملها على ظهر " بوفسيو"  (وهو طائر يشبه إلى حد بعيد مروحية  أو حوامة الجيش)  

كان "بوفسيو" يقوم بنقل الحزم الى النوادر حيث تدرس ثم يجمع الحبفي أكياس.


ذات مرة  ( يقول بوكرش) انتظرت عودة " بوفسيو" كالعادة لكنه تأخر كثيرا فقررت استقصاء الأمر وذهبت للبحث عنه.   بالطريق المؤدي الى النوادروجدته واقفا  محملا ينتظر.
مابه طائري الصغير؟  قلت مستغربا.   

لما دنوت منه لاحظت ان احدى الحزم التي على ظهره   متدلية الى الأسفل عكس
الأخرى المقابلة ,مما أربك توازنه وجعله يخاف من سقوط الحمولة. وهو سبب توقفه.
نظرت الى الأرٍض فرأيت حبة قمح "ضائعة" أخذتها ووضعتها في الكفة المقابلة فاستوت
الحزمتان وعندئذ فقط  استعاد الطائر الصغير توازنه فواصل سيره مسرعا كأنه يريد تدارك ما ضاع من الوقت.
أنهى بوكرش كذبته تحت تصفيق  حاد  وقهقهــــات  من الزعيم .

نودي على المترشح "بودماغ " فأقبل محييا وأمام الجمع قال –
عدت يوما بعد الظهيرة الى البيت العائلي وما أن اقتربت حتى دوى في أذني طق الطبول
وأنغام المزامير المنبعثة من دارنا. أسرعت أتعجل معرفة  أمر ما يحدث . شققت طريقي
وسط جموع المحتفلين الى أن أدركت أمي. سألتها فما انتبهت لوجودي وراحت ترقص على
 وقع "الزرنة والبندير". أعدت الكرة فنظرت الي مطلقة زغرودة طويلة ثم ارتمت واحتضنتني وهي تقول بصوت متسارع عال – ولد أبوك..ولد أبوك ( بضم الواو وكسر اللام ). رحت بدوري أرقص وأغني.. أبي ولد..  أبي ولد. الى
أن نال مني العياء وجف حلقي.فجلست مع المدعوين أنتظر تناول مأدبة العشاء التي أقامتها أمي بالمناسبة.

فجأة علا صراخ احدى النسوة – اختفى الرضيع ...اختفى الرضيع... فأصاب الحاضرين هلع كبير  وهرع الجميع للبحث عنأبي المسكين.                                               
 ليتني رأيته قبل أن يضيع مني. قلت في نفسي باكيا متحصرا .

خرجت الى فناء الدار حيث شجرة التفاح المتعالية المترامية الأطراف, و رحت أدور حولها ثم رفعت رأسي فاذا بي أبصر والدي متمسكا بغصن  من أغصان الشجرة وهو  يتمايل طربا , منشغلا بمناغاة العصافير التي التفت حوله 

خفت أن يسقط فحاولت الصعود لكنني لم أتمكن من بلوغه. فلقد كنت كلما اقتربت منه صعد  نحو الأعلى أكثر فأكثر

ناديت القوم  فجاؤا  بالسلالم  نصبوها  وصعدوا  ليتمكنوا بعد جهد جهيد  من (القاء القبض عليه).
فأعدته الى المهد ولم أغادره. قالت أمي بعد رحيل الجميع 
– دع  والدك   ينام . لقد كان يوما غير عادي بالنسبة له. كيف لي أن أنام؟                                        لقد قضيت الليل قرب سريره  أحرسه وكلما استيقظ حاولت تنويمه بأغنية                                             "   ماما زمانها جاية جايــبة معها  ....          <>         فيها وزة وبطة هآهآهآهآهآ...

أعجب الزعيم " بالكذابين" الاثنين  وأمر بتعيين الأول  أي( بوكرش ) في منصب وزير للفلاحة
وتعيين الثاني  أي ( بودماغ ) وزيرا للشئون الاجتماعية  والتربية  وقضايا المرأة.

                                                                   
               وينتفض طرطر (2)

حمد طرطر الله على هذه الإدانة الخطيرة للغاية والتي ينص القانون على أن مرتكبها لا جزاء له سوى الإعدام رميا بالرصاص. بقي يقبع بالسجن المركزي مدة شهر دون محاكمة وذات صباح فتح الباب فظن الرجل أن ساعة الرحمة قد حلت, لكن سرعان ما تنبه أن الحراس يقتادونه إلى الباب الرئيسي للسجن بدلا من ساحة عملية تنفيذ أحكام الاعدام. أطلق سراحه وبحوزته مبلغ مالي معتبر. لما بلغ وسط المدينة رأى المواطنين يحتفلون مع الجنود ولما سأل عن السبب قيل له أن الوالي نجا من مؤامرة اغتيال دبرها ضده قادة عسكريون والفضل لأحد لمواطنين " الصالحين " ويدعى طرطر الذي  تفطن للمكيدة  وقلب الطاولة على المتآمرين الذين دارت عليهم دائرة السوء .
عاد طرطر الى قريته ليستقبله أهلها استقبال البطل العائد من المعركة . لكن الحياة في نظر طرطر لم يكن لها طعم مادام لم ينفذ ما يدور في مخيلته. "الموت ديكا" ولا عيشة دجاجة.
اشتاقت نفسه الى زيارة المدينة  حيث الأسواق العامرة والسيارات الفخمة والصخب والأكل والشرب في كل شارع ومكان فخرج  يحمل حقيبته السوداء التي أضحت لا تغادره في كل ترحال, الى أن بلغ محطة القطار ( عين لولو) وهناك جلس ينتظر مع المنتظرين. وكان بقاعة الانتظار رجلان يبدو عنهما التوتر. كانا يحملان حقيبة سوداء أيضا ومتاعا. مرا بطرطر ثم عادا بعد هنيهة  ليقفا بجانبه مرة أخرى وليضعا أمامه  حقيبتهما  ويستبدلانها بحقيبة طرطر التائه المسافر بخياله خارج حدود المكان والزمان  وليخرجا بعد هنيهة  من المحطة محملين بالحقيبة والمتاع  تماما مثلما دخلا . وصل القطار فانتظر الجمع نزول الركاب القادمين ليخلفوهم فيه .تقدم أحدهم يحمل حقيبة سوداء وقف بجانب طرطر للحظات ثم استبدل الحقيبة وانصرف. ركب المسافرون فانطلقت القاطرة مدوية في الفضاء الشاسع تجر وراءها القطار ومن فيه, طرطر وحقيبته  السوداء والناس أجمعين. وبداخل احدى المقاهي هاتف أحدهما لمجهول يخبره بأن الحقيبة بصحبة رجل  على
متن القطار القادم وأكمل بوصف دقيق لطرطر مثل لون سرواله وقميصه.الخ...
كانت الشرطة على علم بتحركات الرجلين اللذين دخلا ثم خرجا من محطة  ( عين لولو) قبل وصول القطار. بقيت تترصد تحركاتهما ثم باغتتهما وألقت القبض عليهما لكنها لم تعثر بالحقيبة إلا على وثائق هوية  رجل يدعى طرطر. أدرك قائد الشرطة أن عملية تبادل للحقائب تمت بالمحطة فقام في الحين بإبلاغ نظرائه مقدما بدوره وصفا دقيقا لطرطر.
طوقت الشرطة محطة المدينة وأغلقت كل المنافذ . نزل طرطر فوجد في استقباله رجال من الأمن قاموا باقتياده إلى المركز  موجهين له تهمة المتاجرة بالمخدرات . واصطف الصحفيون يلتقطون صورا للمتهم ليخرجوا في المساء بعنوان واحد – إلقاء القبض على أكبر بارون المخدرات بالشرق الأوسط وشمال افريقيا .  سر طرطر أيما سرور ومنى نفسه بشنق لا مثيل له في التاريخ المعاصر. داخل الحقيبة عثر المحققون  على  كمية من السكر موزعة على أكياس شفافة بوزن 100 غرام للكيس. خرج طرطر مرة أخرى من السجن كما ولدته أمه. عاد الى القرية يجر خيبة أمل كبيرة .
بعد أسبوع وقع حادث مرور بالطريق الوطني رقم 5 أين انقلبت سيارة وبداخلها وجد رجال الدرك الحقيبة السوداء الثالثة معبأة ب 7 كيلوغرامات من المخدرات ولتعلم في الأخير أن صاحب السيارة ماهو الا شريك سابق للرجلين كان على علم بالمكيدة فخطط للاستيلاء على الحقيبة وكان ينوي نقل "البضاعة" إلى تونس.
وهكذا مرة أخرى تقف الأقدار ضد تحقيق طرطر لحلمه في " ميتة ديك ولا عيشة دجاجة". فهل يصادفه الحظ في الحلقة القادمة؟؟؟؟؟

                                                   ....  تابعـــــــــــــــــوني......
              و يـنـتــفـــض  طرطــر....

طرطر شاب في مقتبل العمر لكن فشله في كل مل يبادر اليه من محاولات للأرتقاء الى ما يصبو اليه  أدى به الى التفكير في الانتحـــار

ومن بين الأفكار التي جالت خياله أن يقتل نفسه أو يقتل غيره فيقام عليه الحد اما شنقا أو رميا بالرصاص.

انتقل الى المدينة بحثا عن ضحية سهلة المنال.رأى شيخا يجلس الى باب بيته فاقترب منه وقال بصوت مرتفع كي يسمع الناس – سوف...

تدحرج الكرسي بالشيخ  وسقط . تجمع الناس بالمكان جاءت سيارات الاسعاف والشرطة وألقي القبض على طرطر. التقطت له

الكاميرات مشا هدا بدا فيها سعيدا مبتسما. لقد تحول المسكين بين عشية وضحاها الى "شخصية خطيرة" في نظر الجميع. قامت مظاهرات بالمدينة منددة بتصرفه

وبوجوب تسليط أقصى العقوبات الممكنة على المجرم السفاح. أودع طرطر السجن في انتظار المحاكمة والتي وجد فيها الاعلام فرصة

لمضاعفة مبيعاته  واصفا المحاكمة  " بمحاكمة القرن".

أقيمت المحاكمة على عجل لارضاء مطالب المواطنين وجاء يوم المثول. رافع عن طرطر محامي محب للأختصار مطالبا لجنة المحلفين اما

باطلاق سراح موكله أو اعدامه. باقي الأحكام الوسطية انتهاك للقوانين على حد تعبيره. طلب القاضي مثول الطبيب الشرعي ففاجأ هذا

الأخير كل الحاضرين بالقول أن الضحية توفيت ربع ساعة قبل الحادثة . أجلت المحاكمة لأيام أخرى وفي الأخير أقرت المحكمة ببراءة

طرطر واخلاء سبيله على الفور.

عاد طرطر الى القرية مكسور الجناح لكن جيرانه أصبحوا يخشونه ويحسبون له ألف حساب

ذاع صيت طرطر في البلاد وجرت خلف توظيفه لصالحها عصابات تسابقت في الظفر بخدماته.

انتهى به المطاف ذات يوم بالعاصمة حيث استضافه قائد عسكري كبير كان يخطط لعمل اجرامي وبعد أيام  ناوله حقيبة مجهولة الحمولة وطلب منه أن ينقلها الى

الوالي . سعد طرطر بالثقة التي منحها اياه قائد كبير من الجيش . ركب على متن سيارة القائد الى غاية مقر الولاية حيث عادت السيارة

أدراجها من حيث جاءت.. نزل لكنه نسي الحقيبة داخل السيارة. بعد ساعة سمع دوي انفجار ضخم وهرعت سيارات الأسعاف والجيش

الى المقر العام لقيادة الجيش. خرجت وكالة ألأنباء بالتصريح التالي –

قام اليوم انتحاري باقتحام مقر القيادة العسكرية وفجر سيارة بداخلها أودت بحياة القائد ومعاونيه من الضباط. وتجري التحقيقات.......الخ...

ألقي القبض على طرطر بتهمة التآمر على قلب نظام الحكم بالبلاد. وجابت الشوارع كتل سياسية ونقابية

مطالبة بالقصاص من السفاح طرطر. متهمة اياه بالعمالة لصالح الولايات المتحدة واسرائيل.

lundi 23 février 2015

عاد عمي صالح الفلاح الطيب  من المدينة يسوق أمامه حماره المحمل بالمؤونة , وفي طريق

العودة عرج على مسجد القرية  أين صلى الجمعة. التقى هناك  بأحد المناضلين وأخبره

بموضوع فاطمة. بقي الرجل ينتظر اشارة من الثوار. ولما سنحت الفرصة  أقبلت مجموعة

من المجاهدين  ليلا لتعود بعد ساعة محملة بالزاد ترافقهم فاطمة في اتجـــاه جبل أولاد

حناش. بأحد المخابئ تعرفت فاطمة على أرملة شهيد  دربتها على كيفية علاج المصابين

 وتضميد الجروح وطهي الطعام والخياطة  بل وحتى على كيفية استعمال السلاح.

نسق نفر من شباب القرية عملية  فدائية  ضد  معسكر الملازم ( بو النواظر ) . ولما آن

الأوان أشعلوا نوادر التبن المترامية بالقرية  فتحول الليل الى نهار. أجبر العساكر على

الخروج من المركز في محاولة دفاعية لكن حسن تمركز المجاهدين نال من كثير من الأعداء

نادى فيهم الملازم بالانسحاب الى الداخل لكن تموقع عناصر من الثوار شتت شملهم فهرعوا

في كل مكان.
استمرت المعركة لساعات ولما أيقن قائد الثوار أن العملية أتت أكلها أمر جنوده

بالانسحــــاب . التقى المجاهدون بالموقع المتفق عليه مسبقا ولا حظ القائد غياب  ( فاطمة )

عن المجموعة. أسر ( فاطمة ) يعني هزيمة الثوار. استشهادها يعني خسارة كبيرة.

لا... فاطمة لم تمت . هي الآن بمكتب الملازم ( بو النواظر ) فاجأته بطلقات من بندقيتها لكنه

لم يمت. تقدمت منه أكثر بصقت على وجهه الشاحب الدامي وأفرغت الرشاش بجوفه .

لتخرج من الباب الخلفي للثكنة محتمية بسيارات العدو الملتهبة والمفحمة جراء انفجار صهاريج الوقود.

في الليلة الموالية للعملية دوى صوت (عيسى مسعودي ) من اذاعة الجزائر الحرة  مبشرا

بنجاح العمل البطولي.

في 17 أكتوبر1961 وبقلب باريس كان (سعيد ) ضمن المهاجرين المتظاهرين المؤيدين للثورة . ألقى عليه

البوليس  الفرنسي  القبض ورمى به  في نهر ( السان) .  سجل ضمن قائمة المفقودين .لم تكن فاطمة تعلم باستشهاده.


عاشت  لسنوات  بعد  الاستقلال ..... تنتظر  عودته. 
تلقى (سعيد) نبأ وفاة والدته عن طريق الهاتف من مدينة سطيف  قبل أن تصله رسالتها التي

أودعتها يوم موتها ملحين عليه فيها عدم القدوم الى الجزائر ومخبرين اياه أن  الدفن قد تم ولا داعي للمغامرة

بحياته . ولما  تساءل عن مصير زوجته أخبروه أنها غادرت الى أهلها  قبل  الوفاة  بأيام  ولا

خوف عنها .
أهل (فاطمة) هرعوا لهول الفاجعة التي ألمت بأصهارهم . امتزج همهم بهم أقربائهم

في النسب . محنة يصعب تحملها  فقدان البنت من جهة ووفاة حماتها من جهة أخرى.


جل السكان نصحوهم بعدم الإبلاغ  عن اختفاء ابنتهم أو الاتصال بالسلطة العسكرية

لأن ذلك قد يعرض حياتهم للخطر.


فالملازم ( بو النواظر) لازال يلهث وراء كل خبر قد  يوصله الى ( فاطمة).

حاول الملازم على امتداد أيام وليالي تخويف السكان تارة بحرق ممتلكاتهم  وقتل مواشيهم

وطورا بتجميعهم خارج الثكنة إلى ساعات متأخرة من الليل دون الوصول الى مبتغاه  ولما

يئس به الحال قرر سجن كل منتخول له نفسه الخروج من القرية المطوقة دون ترخيص منه.


كان عمري خمس سنوات عندما ترك والدي العائلة كغيره من الجزائريين للعمل بباريس .

  خمسة أفراد  هو عددنا جدتي وأمي وأختي الكبرى والتي تصغرني سنا. في احدى الليالي

طلبت منا أمي أن ننام مبكرا لأننا – كما قالت- علينا الخروج من القرية قبل طلوع الشمس.

 ولما جاء الصبح فوجئنا بتساقط الثلج  فخافت أمي علينا من المرض وترددت  بين البقاء أو

المغامرة لكن جدتي نصحتها بالفرار.

انطلقنا نتتبع حافة الوادي الى أن وصل بنا السير الى الطريق العام المؤدي الى محطة القطار

البعيدة بست ( كلم) لكن الثلج أعاقنا واحمرت وجناتنا وتجمدت  أرجلنا ورحت أبكي من شدة

الألم. حنت جدتي لحالي وحملتني على ظهرها  الى أن ادركنا محطة تاسيرة. انتظرنا أول

قطار وكلنا خوف من أن يكتشف الملازم أمرنا فيلحق بنا.



وصفر القطار معلنا قدومه ومعلنا بالنسبة لنا انفراج معاناتنا ولو مؤقتــــا.توقفت القاطرة في

محدثة ضجة ارتجفت لها الأرض و رمت الفضاء بدخانها فملأت صدره رعبا.

اندفعت جدتي نحو أولى عربة تجرني وراءها وهي تتمتم. مكننا أنفسنا على ا لمقاعد الخشبية

وانطلق القطــــــــــــار....دفعني فضولي الصبياني الى النافذة, نظرت من خلالها فلم أر

سوى التلال القريبة وهي تتراقص على وقع دوي الآلة الضخمة.

عدت حيث جدتي فاحتضنتني .وضعت رأسي في حضنها فرحت أتلذذ دفء صدرها و

 عظمة حنينها.
                                                    


                                                                              ..... يـتــبــــــــــــــع .....
في اليوم الموالي قصدت أم (سعيد)  مدينة رأس الوادي وبعثت برسالة إلى ابنها تخبره فيها

بأن زوجته عادت إلى أهلها دون الإشارة إلى الأسباب الحقيقية . مرت أيام قليلة وعاود

الملازم  ذا النظارات الطبية  حنين لرؤية (فاطمة) والتمتع بانتهاك حرمتها المقدسة . سارع

إلى إرسال فصيلة  من الجنود في طلبها. علم في الأخير بفرار المرأة فجمع السكان بنادر

التبن وأمر جنوده بتطويقهم بحزم التبن وبإشعال النار في أجسادهم, إن هم لم  يخبروه بمكان

تواجد ها .توجهت الأنظار متوسلة إلى أم (سعيد) لكن هذه الأخيرة قالت أنها لا تعلم لها

جهة. أطلق سراح الجميع إلا أم (سعيد). كبلها الجنود وساقوها إلى مكتب الملازم . خضعت

العجوز لشتى أنواع التعذيب ولما يئس من الحصول منها على رد. أمر جنوده في الصباح 

الباكر بإحضار القرويين وأما أنظارهم  تبول على جسدها المدمي وأشفى

غليله بإطلاق رصاصة قاتلة في اتجاه أم (سعيد) نالت على إثرها الشهادة.وقبل أن يغادر

المكان صرخ في وجه الحاضرين أنه لن يتوقف عن قتلهم ماداموا "صامتين" .

هذه الكلمة رنت في أذان البعض فكانت بمثابة النابض الذي حرك الهمم لدى كل  من كان

باستطاعته  الدفاع  عن  ما تبقى  من شرف لأهل القرية لكنهم  أجلوا  الرد  إلى  الوقت الذي

يرونه مناسبا.

واصلت (فاطمة) السير الى أن بلغت سفح الجبل حيث بدا لها دخان أحد البيوت فاقتربت

خائفة  تتلطف  مترجية  من به  فتح  الباب.

أطلت امرأة ثم أخرى, ترددتا  قليلا وانتابهما ريب  في ما يجب فعله في غياب الرجل

صاحب البيت والذي يعود له الأمر والنهي في استقبال أو رفض كل غريب عن الديار.

هوت فاطمة على الأرض فلم تجدا بدا من حملها الى الداخل قرب كانون الحطب

الملتهب . سارعت احداهما الى تغطية الضيفة بما ملكت يداها بينما شرعت الأخرىعلى جناح

السرعة في تحضير مشروب ساخن .

غاصت ( فاطمة) في النوم وامتلكت جسدها حمى شديدة حاولت احدى النسوة معالجتها

بصب الخل وزيت الزيتون مبللة بهما شعر المريضة .عاد صاحب البيت  من االغابة  قبل

الغروب بقليل محملا بحزمة من عيدان الحطب . ولاحظ  وجود المرأة  ظنها  من أهله لكن

سرعان ما تراجع سائلا عن من تكون؟

قصت عليه احداهما ما جرى. فأمرهما  بالعناية بها في  انتظار أن يعرف منها القصة كاملة

في الغد القريب.

مع بزوغ فجر اليوم الموالي حلبت صاحبة البيت الماعز وطهت كما تعودت كل صباح خبز

الكسرة. استيقظ الجميع فتحين الرجل الفرصة ليسأل( فاطمة) عن حالها وعن ما تنوي فعله.

حكت  فاطمة ما جرى دون الخوض في ما فعله بها المجرم الفرنسي حياء منها وخوفا من

 كل سوء ظن بها.

ختمت حديثها بالقول أنها ترغب في الالتحاق بصفوف الثوار وطلبت من الرجل أن يدلها عن

السبيل الى ذلك.

رد الرجل في تحفظ  أن الجماعة التي  تنشط  بالناحية تعودت النزول عنده من حين الى حين

وأنه يترقب

قدومها في الأيام القليلة القادمة مضيفا بأنه  سوف يطرح الموضوع  على  قائدها. في

انتظارذلك ألح على أهل البيت توخي الحذر ومراقبة  قدوم العسكر .مؤكدا على زوجته إخفاء

 المرأة في المخبأ السري  المعتاد استعماله  والقريب  من البئر  إن اقتضت الضرورة.
                                                                 

                                                                                  ..... يـتـبع.....

ذات  ليلة باردة من ليالي شتاء 1957 بمنطقة  سطيف الجنوبية وعلى وجه التحديد بقرية (

لوازي) قام الجيش الفرنسي باخراج سكان القرية من بيوتهم عن بكرة أبيهم صغارا وكبارا ثم بادر الى تجميعهم قرب نادر التبن الذي يتوسط المجمع السكني

وقف الملازم قائد الكتيبة  ذو النظارات الطبية من على سيارة ( الجيب) وألقى بنظاراته الجهنمية  صوب الجمع ثم أخرج مسدسه ليوجهه

نحو الأرض على بعد أمتار من أرجل الواقفين  ويطلق بضع رصاصات تعالت معها

أصوات النساء مرعبات  لتمتزج  ببكاء الأطفال.  نزل الملازم من (الجيب) وراح يدورببطء

حول الحلقة  البشرية التي كونها السكان يتفقد وجوه كل فرد على حدا. عاد الى وسط الحلقة

وأمر جنوده

بإخلاء سبيل الرجال  والأطفال  دون  النساء.  وليوجه أوامره من جديد  الى العساكر باقتياد  كل النسوة الى داخل

الثكنة. حاولت النساء الهروب في كل اتجاه وارتفعت أصواتهن من جديد لكن الجنود تمكنوا

منهن وأجبروهن

على دخول المركز.هناك داخل بهو فسيح  وبعد انتظارساد فيه الرعب قلوب النسوة  خرج فيهن الملازم مقلبا وجه كل

امرأة بتمعن وبابتسامة خبيثة تنم عن نوايا دنيئة  وكان  كل ما مر بامرأة لا يجد فيها ضالته أشار الى حراسه  بإطلاق سراحها 

 حتى اذا

وصل به الطواف الى زوجة (السعيد) انحنى ثم أمسكها من يدها بعنف وأدخلها مكتبه في حركة باغتت المسكينة التي تشبتت بالأرض دون جدوى

 وليصد الباب بدفعة قوية  بكعب قدمه ثم يغلقه بالمفتاح. أدرك الجنود المقصد فراحوا يقهقهون

ويصفقون غير مبالين ولا مكترثين لحال الزوجة الشابة الجميلة. داخل المكتب الموصد من كل جهة

حاولت المسكينة الدفاع عن شرفها بالتوسل تارة وبمحاولات التهرب طورا لكن الوحش نال

منها  وفعل بها فعلته المشينة. بعد ساعة  أطلح صراح المرأة  وهي ترتجف لا من البرد الذي صفع جسدها فقط بل من الفضيحة التي أوقعها فيها السفاح  لتعود الى بيتها  أين

وجدت كنتها على أخر من الجمر في انتظارها بالباب .وما أن رأتها  على تلك الحال حتى 

أطلقت العجوز صيحات وشتائم في وجه زوجة ابنها   لا يقوى عليها الا الريح التي كانت تهب مضيفة للمنظر كآبة لا مثيل لها ورفعت  العجوزيدها لتبسطها على وجه

المسكينة . صفعتها على وجهها حتى دمى خدها الأحمر المنتفخ من البكاء. ثم دفعتها دفعة قوية نحو الخلف أسقطتها أرضا وقبل أن تنهض صدت في وجهها الباب بعنف تاركة اياها بالخارج تجابه البرد القارس والرياح العاتية 

. وجدت المعذبة نفسها في مواجهة

ظلام الليل انتابها الخوف وارتعش جسدها الجميل لكنها لم تنثني. لملمت نفسها الى غاية البيت

المجاور القريب

 فطرقت الباب متوسلة لأهله بالدخول . وقبل أن يفتح في وجهها  سمعت داخل

المنزل حركات وكلام حاد يدور بين الرجل وزوجته ينم عن سوء تفاهم حول قبول أو رفض منح اللجوء للمرأة الضائعة 

في الأخير تغلب المنطق   على الارتجال والخوف  وفتح في وجهها الباب لتقضي

ليلة  لم تغمض لها فيها عين 

لم يحاول المضيف ولا زوجته طرح أي سؤال لأنهما كانا يعلمان أنهما

 سيزيدان الجرح ألما لا غير.في الصباح انتشر خبر "الجريمة" بسرعة كانتشار الريح التي

كانت تهب على القرية الصغيرة

غادرت المرأة مأواها في سرية متخفية بواسطة  قطعة  قماش  وتوجهت مترجلة بالطريق

الزراعي المؤدي الى جبل ( تيويــرة). .....     





                                                

jeudi 19 février 2015




الوحش الآدمي


في 21 جوان  1981 قام الطالب الياباني  بجامعة الصربون  (ايصاي سكاوا )

بقتل ثم أكل لحم الطالبة  الهولندية  (روني هرتفيلت) البالغة من العمر 25 سنة.


بدأت القصة بعلاقة حب من طرف واحد. حيث أعجب الياباني  بالهولندية وأحبها

الى درجة الهيذان.

يقول أنهما كانا يلتقيان بالجامعة وفي بعض المرات يؤدي لها

زيارة  مجاملة بغرفتها الواقعة بشارع( بونابارت) فازداد شغفه بها. أما الطالبة ( روني)

فقد كانت تعتبر العلاقة مجرد صداقة لا غير بل كانت  تشعر بالشفقة نحو زميلها

ومتأكدة أنه لن يجرؤ على المساس بها بل وحتى لمسها. ولأنها كانت واثقة من

نفسها فلقد قبلت الدعوة لزيارته بغرفته بالدائرة 16 الباريسية.


ظروف ارتكاب الجريمة يسردها الجاني نفسه غداة القاء القبض عليه , حيث يقول لقد

صارحتها بحبي لها فردت  في تهكم وبضحك غير منقطع مما أثار أعصابي فأمسكت

 المسدس وأطلقت عليها النار في القفاء.

الى حد الآن أسباب  الجريمة واضحة وضوح الشمس في عز النهار,


لكن الأغرب في الأمر أن (ايصاي سكاوا)  جرد الضحية من كل ملابسها وراح يتأمل في

نشوة غريبة جسدها العاري ثم  ما لبث أن غرز أسنانه في صدرها لكنه لم يتمكن الا من

خدش لحمها ولم يستطع خلع أي جزء من الجسد .

فقرر الاستنجاد بسكينة كهربائية  وشرع في تقطيع الجثة الهامدة الى قطع مثل الجزار تماما.

ثم شوى ما  شوى وأكل أجزاء نيئة اختارها لخصوصيتها – حسب رأيه-. يقول

- قبل أن أقوم بفصل الرأس, أكلت الشفتين والأنف واللسان.وشعرت وأنا ألتهم القطع  وكأني

أتناول سمك "الطونة"


وقد جذب لي ذلك الفعل شعورا  بلذة  حيوانية  هائلة . قال ذلك ببرودة تامة لرجال

التحقيق ليضيف أنه قام بتصوير كل المشاهد ليحتفظ بذكرى لأعظم انجاز يقوم به.

في اليوم التالي ذهب الى محل واشترى حقيبتين وبقي ينتظر قدوم الليل. في جنح الظلام

هتف لأحدى  سيارات الأجرة .


أحد جيرانه قال أنه رآه يجر حقيبتين نحو السيارة . لكنه فوجئ بعد مدة قصيرة بعودة الرجل

محملا بنفس الحقيبتين. يبدو أنه لم يجد المكان المناسب لاخفاء بقايا الجثة.

في اليوم الموالي كرر نفس السيناريو ليعود بالحمل الثقيل مجددا.

يوم 13 جوان كان الاتجـــاه صوب (غابة بولون) حيث نزل من سيارة أجرة  لينغمس وسط

الغابة بحمله المرعب. شعر بوجود أناس على مقربة منه  فارتبك  ورمى الحقيبتين وهرب.

اقترب الشهود فرأوا أجزاء  من الجثة مبعثرة داحل وخارج الحملين .

وهكذا وبفضل السائق الذي تم التعرف اليه  بسهولة  تمكنت الشرطة من الوصول الى الجاني

بسرعة وبسهولة. ففي 15 جوان ألقي القبض على( سكاوا) داخل غرفته وبداخل الثلاجة عثر

على قطع لحم بشرية  مصففة في صحون  كما تم العثور على المسدس المستعمل في

الجريمة.

عند استجوابه صرح الياباني أنه كان سعيدا بفعله  لكنه شعر بالتخمة من كثرة اللحم الذي

تناوله.

لقد فعلت ذلك شعورا مني أنها ستبقى بداخلي الى الأبد. أنها أصبحت جزءا من ذاتي.

عند نهاية التحقيق أحس المحققون أنهم أمام مختل عقليا. لكنهم أوضحوا قدرة الرجل على

الوصف الدقيق لحيثيات القضية .

عين قاضي التحقيق ثلاثة مختصين في علم النفس وبعد مدة أقروا بأن الرجل مختل فحكمت

المحكمة ببراءة المتهم  وأمرت بايداعه مصحة للعلاج النفسي وبعد عام  تم ترحيله الى

اليابان بطلب من عائلته الثرية  لمواصلة العلاج هناك  حيث أدخل مستشفى

للأمراض العقلية لكنه خرج منه بعد أيام  أي في 25 من شهر أوت 1984   سالما " غانما"

لأن الرجل لم يكن مصابا بأي خلل عقلي حسب الأطباء الذين أشرفوا على فحصه بدقة.

                                    ... انتظرونـــــــــــــــي ....