مـــا حكمـــكم أنتم ؟
لم يستطع مدير الإدارة العامة إتمام مراقبة الوثائق
المكدسة على مكتبه بسبب ألم برأسه. فخرج متوجها الى عيادة الجامعة والتي لا تبعد إلا أمتارا عن مكتبه. بباب
العيادة وجد صديقه الطبيب واقفا فتبادلا التحيات الصباحية ودخلا معا .
لاحظ المدير علامات القلق والغضب بادية على وجه الطبيب
لكنه لم يعرها اهتماما .
دخلا معا العيادة وجلسا يتحدثان عن أمور شتى إلى أن وصل يهما
الحديث عن الجو الداخلي بالجامعة وعلاقة العمل بين القائمين عليها وهنا تغيرت لهجة
الطبيب إزاء محدثه وراح ينعته بصفات ذميمة تفاجأ لها المدير وحاول الرد لكن الطبيب
نهض من مقعده ووثب عليه ليباغته بطعنات في بطنه بسكين مطبخ . تمكن المدير من الإفلات
من قبضة مهاجمه وجرى للنجاة بجلدته من موت محقق. بإحدى ساحات الجامعة تم التكفل به
من طرف عمال النظافة الذين كانوا على مقربة من المكان . نقل على جناح السرعة إلى
المستشفى ليغمى عليه في الطريق.
في هذه الأثناء هرع فريق من العمال إلى مكتب الطبيب
ليجدوه جثة هامدة غارقا في بركة من الدم
وبيده اليمنى سكين مطبخ. انتقل وكيل الجمهورية رفقة مصالح الأمن إلى عين المكان .
بعد المعاينة الميدانية أمر الوكيل بنقل الجثة الى مصلحة حفظ الجثث بالمستشفى نفسه
الذي كان به المدير في صراع مع الموت بقسم
الإنعاش أين دخل الجراحون في صراع مع
الزمن من أجل إيقاف النزيف وتضميد الجراح.
بعد أسبوعين قضاهما في العلاج المركز تحسن وضعه الصحي مما سمح بنقله أمام
وكيل الجمهورية ليباشر معه التحقيق
أخبر وكيل الجمهورية المدير أن الطبيب الذي تخاصم معه قد
توفي متأثرا بطعنات في القلب . فرد المدير أنه لم يطعنه وأنه فوجئ بالطبيب يوخز
سكينا في جسده ففضل الفرار دون الرد أو
الدفاع عن نفسه لأنه لم يكن ينوي أي ضرر
بصديقه ولم يكن يحمل ما يدافع به عن نفسه وما ذهابه الى العيادة الا من أجل
استشارة الطبيب حول الصداع الذي ألم به .
قرر وكيل الجمهورية حبس المتهم كإجراء قانوني وأمني حفاظا على حياته الشخصية من
احتمال انتقام عائلي.
وأمر بتحويل الملف الى غرفة الاتهام التي حررت بدورها تقريرا
للإحالة يتضمن توجيه تهمة "الضرب والجرح العمدي المفضي إلى الوفاة دون قصد إحداثها".
لتنطلق التحقيقات حيث أعد الطبيب الشرعي تقريرا جاء فيه أن جميع الطعنات التي تعرض
لها الطبيب ممركزة بمحيط القلب. مع غياب علامات المقاومة أو الدفاع من جانب
المقتول. وهو ما يدعم فرضية احتمال انتحار الطبيب. بينما يناقض الاحتمال الثاني
الفرضية الأولى لوجود أربع طعنات عميقة أسفل الجسم.
سعت من جهتها عائلة المتهم إلى إثبات براءة ابنها بإجراء
اختبارات الحمض النووي على نفقاتها الخاصة التي أثبتت مما لا يدع مجالا للشك أن بقع الدم
التي أخذت من جسم وثياب الطبيب ليست للمتهم
وأن بقع الدم التي أخذت من جسم وثياب المتهم ليست للضحية. كما أن السكين
الذي عثر عليه بيد الضحية لا يتضمن بصمات
للمشتبه به.
يوم المحاكمة كان يوما مشهودا, غصت القاعة بعائلتي
المدير والطبيب . التفاؤل كان باديا على أفراد أسرة المدير خاصة بعد وصول نتائج
الحمض النووي لكن سرعان ما اندهشوا عند قراءة قرار الإحالة والذي عدل من طرف غرفة
الاتهام الى " الضرب والجرح العمدي المفضي إلى الوفاة قــصــد إحداثها."
حاول دفاع المتهم تسخير جميع أسلحته لكن دون جدوى. مما
جعل الكثيرين يتساءلون عن دواعي إحجام هيئة المحكمة عن الاستجابة لطلبات الدفاع في
الاستماع الى 21 شاهدا كلهم لصالح المتهم بالإضافة الى نتائج الخبرة العلمية
والتخلي عن إستدعاء الطبيب الشرعي ليشرح
احتمال فرضية وقوع الانتحار
بعد المداولات أدانت المحكمة المدير ب 10 سنوات سجنا
نافذا بتهمة القتل العمدي.
تساءل محامون عن سبب عدم عمل
المحكمة بمبدأ "الشك لصالح المتهم".
فما الذي حال
دون استفادة المتهم من "هذا الشك"؟؟
الى
اللقاء مع قضية أخرى. تابعوني....