لم يكن التغيـيـر شيئا جديدا بالنسبة لمريم فلقد عايشت تطورات بطيئة قبل هذا. رأت كيف فقد والدها عبر السنين مكانته كآمر وناه بين سكان قريته. وكيف انغمس والداها شيئا فشيئا في مرحلة الشيخوخة . وكيف ودعا الدنيا. غير أن التحول الذي أحدث انقلابا في نفوس سكان القرية الصغيرة الهادئة, وقع كما بدا لمريم على حين غرة. "كمال" ابنها هو من جـــاء بالنـبـأ بعدأن قطع الحقول في استعجال. قال وهو يسترجع أنفاسه.- ان عشرات الرجال يقطعون الشجر ويحفرون بالفؤوس حفرا كبيرة على امتداد الحقل المحاذي للقرية . وان رتــلا من الشاحنات المحملة بالطوب والأسمنت تـتـوالى خلف بعضها فتفرغ حمولتها لتعود محملة مرة أخرى .
فقاطعه أبوه - انها الطاحونة . سمعت أن أحد المعمرين ينوي بناء طاحونة كبيرة . وسيباشر المشروع خلال أيام .
وعم الخبر سكان البيوت المتناثرة عبر الحقول فخرجوا بحثا عن مزيد من المعلومات. سعدية . خديجة ثم سلمى وأخريات انضممن الى الحلقة . الأطفال بدورهم يركضون وسط جموع الرجال حتى الكلاب انضمت الى الضجة منفعلة بالحركة التي دبـت فجأة بين الحقول المترامية الأطراف. وانطلق موكب من الرجال صوب القرية كأنه يريد التحقق من الخبر أو مزيدا من المعلومات. وما أن وصلوا حتى كونوا حول العمال المنشغلين بتفريغ العتاد حلقة ما لبتث أن اتسعت دائرتها بوصول المزيد من الفضوليين.
وفجأة دب خلف الحلقة صوت محرك سيارة شتـت صفوفها الى نصفين لينزل منها رجل طويل القامة أشقر اللون بيده مروحة تبدو عليه ملامح الأوروبي. خلع القبعة من على رأسه ملوحا بها للحاضرين في عبارة تدل على الترحاب, يصحبه أربعة رجال بزي عسكري. وما لمحه الرجل الذي كان يشرف على سير العمل حتى هم باستقباله. بعد حوار قصير دنا رئيس العمال من القرويين المتجمهرين طالبا منهم بلغة عربية وبلهجة حادة مغادرة الموقع وفسح المجال للعمال للقيام بدورهم.
-كأنـــه سيد علينـــا, همس عمار في أذن أحد الواقفين بجانبه. وانصرف البعض بينما ربض آخرون بالمكان غير مبالين بأوامر مراقب الأشغال في تحد واضح منهم للرجل .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire