مثل الطبيعة كمثل الحيوان المتوحش كلما احتطت له واحترست منه واقتربت منه بفطنة, منحك الأمن, ولكن أدر وجهك لحظة وسيأخذك على حين غرة ليفترسك دون شفقة أو تردد. أن الخمول الذي صاحب عمار و مريم بعد رحيل فاطمة جعلهما يغفلان عن القيام ببعض الترميمات التي يتطلبها سقف البيت حتى باغتهما الشتاء برياح لم تشهد لها المنطقة مثيلا مثيرة مخاوف السكان .
استمر عصف الرياح أياما ثم تهاطلت الأمطار دون توقف ليل نهار حتى خيل للناس أنه لا يوجد على وجه البسيطة شئ غير المطر,فغمرت المياه بيت عمارمن كل جانب ومن فوق ومن تحت, تنساب دون توقف من السقف المتهاوي ومن الجدران المهترية
دخلت مريم في منافسة يائسة تجابه المياه بوضع أواني الطبخ هنا وهناك من حيث ينساب الماء من السقف واستمر الصراع بين المرأة والطبيعة الى بزوغ ضوء النهارولم تسلم العائلة من الهلاك الا بأعجوبة وقدرة قادر. أوقدت مريم نارا من الحطب في احدى زوايا البيت فبعث لهيبها شيئا من الحرارة في الأجسام وفي النفوس. بينما أسرع عمار الى الخارج يمد البصر في كل اتجاه كأنه يبحث عن جواب لما حدث. ولحقت به مريم . قال عمار غير مصدق وهو يرتعش من البرد - سيكون موسما رديئا, سوف لن نحصل على الغلة التي كنا نحلم بها. وانهمك عمار مغتنما فرصة توقف المطر في اصلاح ما استطاع اصلاحه الى أن أدركه الليل وقد انهارت قواه وزاد خوفه بعد عودة الرياح وتهاطل المطر. أشعلت مريم شمعة فراح عمار يتابع النور الخافت المرتجف وقد لف جسده النحيل ببرنوسه البالي المبلل.لحسن الحظ أن "كمال" غير موجود . قالت مريم . فاعترض عمار غاضبا- بل قولي لوكان معنا لساعدنا كثيرا.
في الوقت الذي خيم في الخارج ضياء شاحب تارة وطورا مبهرا بفعل البرق وانعكاسه على المياه التي غمرت كل شئ. لم تجد مريم من وسيلة غير الدعـــاء لله بأن يحفظ البشر والحيوان من كل سوء. وأسندت ظهرها للجدار تبحث عن سند يحميها من البرد
وبلغت العاصفة ذروتها عند منتصف الليل. يقصف الرعد فتهتز له الأرض كأنها تبحث عن منفذ تلتحم من خلاله بالسماء. ويلمع البرق فيمزق أديم السماء مضيفا الى سنفونية الرعب هذه طابعا كله خشوع. اقشعر بدن مريم, انتابه خوف شديد , لم تكن خائفة على نفسها بقدر خوفها على ابنها"كمال". فراحت تدعو في صمت أن يحمي ولدها من كل أذى. مع مقدم الفجر سكن كل شئ, لقد هدأت العاصفة أخيرا. كل شئ هنا ركع لقساوة الطبيعة حتى الكلاب أضربت عن النباح.وأخيرا توقف المطر..../.....