jeudi 28 février 2013


  مثل الطبيعة كمثل الحيوان المتوحش كلما احتطت له واحترست منه واقتربت منه بفطنة, منحك الأمن, ولكن أدر وجهك لحظة وسيأخذك على حين غرة ليفترسك دون شفقة أو تردد. أن الخمول الذي صاحب عمار و مريم بعد رحيل فاطمة جعلهما يغفلان عن القيام ببعض  الترميمات التي يتطلبها سقف البيت حتى باغتهما الشتاء برياح لم تشهد لها المنطقة مثيلا مثيرة مخاوف السكان .
استمر عصف الرياح أياما ثم تهاطلت الأمطار دون توقف ليل نهار حتى خيل للناس أنه لا يوجد على وجه البسيطة شئ غير المطر,فغمرت المياه بيت عمارمن كل جانب ومن فوق ومن تحت, تنساب دون توقف من السقف المتهاوي ومن الجدران المهترية
دخلت مريم في منافسة يائسة تجابه المياه بوضع أواني الطبخ هنا وهناك من حيث ينساب الماء من السقف واستمر الصراع بين المرأة والطبيعة الى بزوغ ضوء النهارولم تسلم العائلة من الهلاك الا بأعجوبة وقدرة قادر. أوقدت مريم نارا من الحطب في احدى زوايا البيت فبعث لهيبها شيئا من الحرارة في الأجسام وفي النفوس. بينما أسرع عمار الى الخارج يمد البصر في كل اتجاه كأنه يبحث عن جواب لما حدث. ولحقت به مريم . قال عمار غير مصدق وهو يرتعش من البرد - سيكون موسما رديئا, سوف لن نحصل على الغلة التي كنا نحلم بها. وانهمك عمار مغتنما فرصة توقف المطر في اصلاح ما استطاع اصلاحه الى أن أدركه الليل وقد انهارت قواه وزاد خوفه بعد عودة الرياح وتهاطل المطر. أشعلت مريم شمعة فراح عمار يتابع النور الخافت المرتجف وقد لف جسده النحيل ببرنوسه البالي المبلل.لحسن الحظ أن "كمال" غير موجود . قالت مريم . فاعترض عمار غاضبا- بل قولي لوكان معنا لساعدنا كثيرا. 
في الوقت الذي خيم في الخارج ضياء شاحب تارة وطورا مبهرا بفعل البرق وانعكاسه على المياه التي غمرت كل شئ. لم تجد مريم من وسيلة غير الدعـــاء لله بأن يحفظ  البشر والحيوان من كل سوء. وأسندت ظهرها للجدار تبحث عن سند يحميها من البرد 
وبلغت العاصفة ذروتها عند منتصف الليل. يقصف الرعد فتهتز له الأرض كأنها تبحث عن منفذ تلتحم من خلاله بالسماء. ويلمع البرق فيمزق أديم السماء مضيفا الى سنفونية الرعب هذه طابعا كله خشوع. اقشعر بدن مريم, انتابه خوف شديد , لم تكن خائفة على نفسها بقدر خوفها على ابنها"كمال". فراحت تدعو في صمت أن يحمي ولدها من كل أذى. مع مقدم الفجر سكن كل شئ, لقد هدأت العاصفة أخيرا. كل شئ هنا ركع لقساوة الطبيعة حتى الكلاب أضربت عن النباح.وأخيرا توقف المطر..../.....



انقسمت آراء عمار ومريم حول زواج ابنتهما فاطمة فالأم ترىأن ابنتها لاتزال "طفلة" بينما يصر عمار على تزويجها . فالفتاة الآن في سن السادسة عشر وتقاليد المنطقة لا تسمح ببقاء البنت في بيت أبويها أكثر من ذلك. خاصة وأن كل البنات اللائ في مثل سنها هن الآن في بيوت أزواجهن.أو على أهبة الأحتفال بزفافهن. وهكذا وبعد أخذ ورد وبعد رفض طلبات العديد ممن تقدموا لخطبتها وقع القبول على شاب يرى فيه عمار صفات الرجل المناسب للظفر بابنته. وأولى تلك الميزات السلوك الحميدة,والثراء.
فالمترشح ابن وحيد لأحد المزارعين الأثرياء يملك من البساتين والمواشي والأراضي الشئ الكثير. ووافقت فاطمة دون تردد.وابتهجت مريم  راضية بنصيب ابنتها الغالية.
وجـــاء يوم الزفـــاف وأقبل المدعوون والمهنئون. ودوى بارود الفرسان وزغاريد النسوة ودق الطبول وتعالت أنغام المزامير فعمت الفرحة البيت الصغير وأقيمت الوليمة واستمر الحفل داخل وخارج الدار الى ساعة متأخرة من الليل. فكان في عظمة حب الوالدين لابنتهما العزيزة المدللة.
لاح فجر اليوم الموالي واقترب موعد رحيل فاطمة وجئ بالهودج وخرجت العروس بالبرنوس الأبيض الذي زادها جمالا وأناقة 
وصعدت . فتعالت الزغاريد لتمتزج بطلقات البارود وأنغام الزرنة. ثم انطلق الموكب يتقدمهالفرسان وجرى الأطفال خلفه معبرين عن فرحتهم على طريقتهم الخاصة مكونين مجموعات أشبه ما تكون بحرس المؤخــرة في الجيـوش.
تم ذلك ومريم قابعة بالباب تنتظر غير مصدقة فشعرت شعوراغريبا وأحست وكأن العالم من حولها قد هد عن آخــــــــــــره.
وشيئا فشيئا, اختفى الموكب عن الأنظار فعم المكان صمت رهيب, وشرع المودعون في مغادرة البيت منصرفين الواحد تلو الآخر,  وبدا لمريم أن البيت قد خلا بعد رحيل ابنتها. بل وأن الكون كله لم يعد له وجود.لأول مرة لن تبـيـت فاطمة تحت سقف والديها الكريمين. وحـاولـت مريـم لملمة دموعها فلم تستطع وأدارت وجهها لترى عمار وهو يحاول بدوره اخفاء دموعه خلف ابتسـامة شاحبة.

mercredi 27 février 2013


 لم يكن التغيـيـر شيئا جديدا بالنسبة لمريم فلقد عايشت تطورات بطيئة قبل هذا. رأت كيف فقد والدها عبر السنين مكانته كآمر وناه بين سكان قريته. وكيف انغمس والداها شيئا فشيئا في مرحلة الشيخوخة . وكيف ودعا الدنيا. غير أن التحول الذي أحدث انقلابا في نفوس سكان القرية الصغيرة الهادئة, وقع كما بدا لمريم على حين غرة. "كمال" ابنها هو من جـــاء بالنـبـأ بعدأن قطع الحقول في استعجال. قال وهو يسترجع أنفاسه.- ان عشرات الرجال يقطعون الشجر ويحفرون بالفؤوس حفرا كبيرة على امتداد الحقل المحاذي للقرية . وان رتــلا من الشاحنات المحملة بالطوب والأسمنت تـتـوالى خلف بعضها  فتفرغ حمولتها لتعود محملة مرة أخرى . 
فقاطعه أبوه - انها الطاحونة . سمعت أن أحد المعمرين ينوي بناء طاحونة كبيرة . وسيباشر المشروع خلال أيام . 
وعم الخبر سكان البيوت المتناثرة عبر الحقول فخرجوا بحثا عن مزيد من المعلومات. سعدية . خديجة ثم سلمى وأخريات انضممن الى الحلقة . الأطفال بدورهم يركضون وسط جموع الرجال حتى الكلاب انضمت الى الضجة منفعلة بالحركة التي دبـت فجأة بين الحقول المترامية الأطراف. وانطلق موكب من الرجال صوب القرية كأنه يريد التحقق من الخبر أو مزيدا من المعلومات. وما أن وصلوا حتى كونوا حول العمال المنشغلين بتفريغ العتاد حلقة ما لبتث أن اتسعت دائرتها بوصول المزيد من الفضوليين.
وفجأة دب خلف الحلقة صوت محرك سيارة شتـت صفوفها الى نصفين لينزل منها رجل طويل القامة أشقر اللون بيده مروحة تبدو عليه ملامح الأوروبي. خلع القبعة من على رأسه ملوحا بها للحاضرين في عبارة تدل على الترحاب, يصحبه أربعة رجال بزي عسكري. وما لمحه الرجل الذي كان يشرف على سير العمل حتى هم باستقباله. بعد حوار قصير دنا رئيس العمال من القرويين المتجمهرين طالبا منهم بلغة عربية وبلهجة حادة مغادرة الموقع وفسح المجال للعمال للقيام بدورهم.
-كأنـــه سيد علينـــا, همس عمار في أذن أحد الواقفين بجانبه. وانصرف البعض بينما ربض آخرون بالمكان غير مبالين بأوامر مراقب الأشغال في تحد واضح منهم للرجل .

لم تـتـوقـف سعادة عمار بالمولود الجديد عند حد الفرح بل ذهب الى أبعد من ذلك  حيث أقام مأدبة وعزم بعض جيرانه والتأم فيه الشمل حيث حضر الوليمة الجد . لما غادر الجمع أخذ أب مريم الرضيع وراح يخاطبه بمزيج من السرور والحزن قائلا- لو أن جدتك على قيد الحياة لفرحت أشد الفرح فلكم كانت تدعو صباحا ومساء. 
الآن وقد كبرت الأسرة فانه لم يعد مقبولا في نظر عمار أن تستهلك كل ما تنتجه من خضر وفواكه. بل عليه كرب البيت أن يبيع ولو قليلا من المنتوج لتغطية الطلب على الوقود واللباس وتكاليف طارئة أخرى.
وهكذا صار يأخذ الأجود من الخضر والفواكه ويقصد بها السوق الأسبوعية أو يعرضها للبيع على بعض التجارأو يقايضها بمستلزمات أخرى. المهم وراء كل هذا الجهد أن لا تشعر الأسرة بضيق العيش كما هو عليه الحال لدى بعض الجيران. كان يردد عمار مطمئنا زوجته.

لا تقنطي من رحمة الله يا امرأة اذا ما واصلت على هذا الحال ستسوء صحتك ويتجعد وجهك قبل الأوان . قيل هذا الكلام لمريم من مدة طويلة, أما اليوم فالتجاعيد تغطي كامل وجهها. تلك النصيحة أبدتها سعدية ليس في صالح مريم فقط بل لنفسها أيضا فلقد كانت ككل امرأة, شديدة الخوف من التجاعيد . أن تنجب المرأة بنين وبنات كل سنة فهو أمر عادي بالنسبة للقرويين أما أن تتوقف عن الانجاب كحال مريم فذلك يعرضها للقيل والقال بل والى الطلاق عند بعض الأزواج.
ووقف عمار ومريم حائرين من أمرهما فلقد مر على ميلاد فاطمة خمس سنوات وليس لهما الى حد اليوم غيرها.
كلما قادتها الزيارة الى أهلها سألتها أمها في حيرة واستغراب وذات مرة عرضت عنها أن تقودها الى " سي مبارك" الذي عرف عند سكان الجهة بمداواة العقم وما أشبهه بالأعشاب والنباتات .
غير أن "طبيب الأعشاب" هذا لم يستطع أن يغير من الأمر شيئا. وتوالت السنوات تجر بعضها جرا. في سن العاشرة أصيبت جدة فاطمة بمرض أقعدها الفراش فما منعتها تلك البلية من التفكير في حال ابنتها فلقد وضعت في يد ابنتها ذات مرة قطعة نحاسية وطلبت منها أن تعلقها في رقبتها قائلة بكلمات متقطعة- لعل هذه تكون لك سندا في الأنجـــاب ان شاء الله.
وتردت صحة أم مريم وجئ بالطبيب الوحيد بتلك الجهة فكانت الفرصة سانحة  لتطرح مريم مشكلتها على الحكيم . وهكذا وفي خضم هذا الجو المشحون بالأسى , جــاء لقاء مريم بالطبيب "آكلي" . 
تعالي الى العيادة, لا أعدك بشئ ولكن سأبذل جهدي لمداواتك . هكذا رد عنها الطبيب لما أخبرته بتوقفها اللاارادي عن الأنجــاب.
بعد وفاة أم مريم بشهر وبعد تردد ومشاورات مع عمار, قصدت مريم عيادة الطبيب "آكلي". وكان الفرج على يده فمن نتائج العلاج الذي استغرق شهورا أن حملت مريم ثانية فرزقت الأسرة بصبي جاء ليعيد الأمل وليبدد المخاوف وليستبشرعمار بالمستقبل خيرا. فمجئ "كمال" غير كثيرا من ميزاج عماروكذا الحال بالنسبة لفاطمة. مسكينة فاطمة لقد انتظرت هي الأخرى طويلا محرومة من أخ يقاسمه ألعابها ومسراتها.  ..../.... 

في البداية لم يكن عمار يولي اهتماما كبيرا لابنته الصغيرة  فلقد كان يمني نفسه بفتى ذكر يقاسمه حديث الرجال ومتاعب الأرض , لكن ولما بلغت فاطمة سنتها الأولى وصارت تناغيه"با", غير عمار من شعوره فراح يوليها عناية أكبر, يداعبها ويناغيها بدوره بلهجة الصغار وبحركات تثير ابتسامات وضحك الصبية.
كانت فاطمة جميلة ولا أحد يدري من أين ورتث ذلك البهاء. ولكم زاد مريم اعجاب الناس بابنتها تعلقا بها وافتخارا.وكم قالت في نفسها مرات ومرات , حلمت بالجمال فوهبني الله اياه في ابنتي.
لما بدأت الصبية تخطو أولى خطواتها خارج البيت صارت تلتسق برجلي والدها ليخرجها معه . وتخطو خلفه وسط الحقول.
حل فصل الخريف فشرع الفلاحون في الحرث فكان عمار من الأوائل ومعه مريم . كان يمسك المحراث بيد وينثر الحب باليد الأخرى. ما أن انتهى من الزرع حتى بادر الى ترميم سقف البيت تحسبا للبرد ولرياح الشتاء العاتية والثلوج. 
لحسن الحظ أن فاطمة لم تعرقل عملهما  فلقد كانت تقضي الوقت في مطاردة العصافير أو اللعب بالحصى .
كلما حلت جدتها ضيفة الا وتعلقت بحفيدتها الى درجة أنها أضحت تأتي خصيصا من أجلها ولكم حاولت مرارا أن تأخذها معها لولا اعترض مريم لأسباب وهمية كيلا تغضب أمها الحنون. سنتأتي لزيارتك يا أمي ومعنا فاطمة وسيكون لك متسع من الوقت معها. كانت تقول مريم لكن ذلك لم يحدث الا نادرا نظرا لارتباط كل من مريم وعمار باتشغالاتهما اليومية وعلى رأسها خدمة الأرض .

mardi 26 février 2013

                                                            الحلقة الحادية عشرة

في البداية لم يبد عمار اهتماما كبيرا بالرضيعة, فلقد كان يرغب في فتى يكبر الى جنبه يعلمه أمورا عن الفلاحة وكيفية الأعتناء بالأرض وخدمتها, ولما يشتد عضده يقاسمه أتعابه ومشاقه. ولكن ولما بلغت فاطمة شهرها العاشر وصارت تناغيه" با" , راح يوليها شيئا من الأهتمام. 
كانت الفتاة جميلة جدا ولا أحد استطاع أن يدرك ممن ورثت البنت ذلك البهاء, وكم زاد ذلك مريم اعتزازا وافتخارا بابنتها فكانت تحدث نفسها- لكم قضيت عمري في البحث عن الجمال فوهبني الله فتاة حسناء فاتنة.
- انها تشبهك كثيرا- كان عمار يقول لزوجته. ولكنه كان الوحيد الذي كان يفكر ذلك التفكير الخاطئ. لأن كل من رأى فاطمة أدرك فارق الجمال بين البنت وأمها.
ومع مرور الشهور شرعت فاطمة تخطو أولى خطواتها خارج البيت  تلتسق برجلي والدها وتـتـبـع أثره وسط الحقول.كم كانت مريم تود المكوث الى جانب صغيرتها اليوم بأكمله, غير أن الحرث قد بدأ فكان لزاما عليها أن تمد يد العون لزوجتها كما اعتادت.
بعد البذر جاءت عملية ترميم سقف البيت تحسبا لأيـــام الشتاء وللبرد القارس والرياح العاتية والثلوج التي تعم المنطقة لشهور عديدة. لحسن حظ الأبوين أن فاطمة لم تعرقل عملهما مكتفية باللهو عند مدخل البيت الصغير, وهو مازاد عمار اعجابا بابنته فيسارع كل ما سنحت الفرصة بالأقتراب منها لمناغاتها  ومداعبتها, حتى جدتها التي كانت تزور مريم من حين الى حين على الرغم من بعد المسافة ومشقة السفر, ارتبطت هي الأخرى بحفيدتها فكانت لا تفارق حضنها الا عند الخلود للنوم .
ولعل ذلك ما دعا بمريم الى زيارة أبويها مرة أو مرتين في العام. غير أن ارتباط زوجها بالفلاحة لم يكن يسمح لها بالمداومة أو البقاء الا أياما معدودة.
  وأحسـت مريم بدوار ينتابها فاستقلت على الفراش الى أن تيدد الألم وزال قلقها رويدا رويدافقالت في نفسها. هو على حق انه يخشى على الجنين. أوليس ابنه؟
وعملا بنصيحة زوجها صارت مريم تهتم أكثر من ذي قبل بنفسها, تاركة أغلب الأشغال لزوجها.
  موسم الحرث على الأبواب  وفي انتظار عمار أعمال كثيرة, عليه أن ينقي الأرض من الحجر والحصى ومن الأعشاب الضارة .
وأن يحفر سواقي بين الأثلام لترتوي التربة حين نزول المطر .
اغتنمت مريم فرصة مكوثها بالبيت فتفرغت لشؤوها الداخلية استعدادا لوضع الحمل.
وجـــاء ذلك اليوم الذي انتظرته مريم بلهف وتخوف أيضا, فكان مولد طفلتها . كانت سعدية بجانب القابلة تساعدها من جهة وتبدي النصائح والتشجيع للجارة حينا آخر. لما ا سترجعت مريم بعضا من قواها وجدت بجانبها المولود الجديد. انها بنت جميلة ذات بنية قوية صاحت سعدية مبتهجة في وجه مريم .  أدارت مريم وجهها ولم تستطع اخفاء خيبة الأمل التي بدت على محياها.
وأدركت سعدية ما يجول بخاطر جارتها فقالت في استعطاف-  لا تقنطي من رحمة الله يا امرأة, سيكون لك فتيان كثر, ولا يزال أمامك متسع لأنجاب البنين والبنات.
من السهل أن تتحول سعدية الى واعظ  وفيلسوف بعدما تحققت جل أحلامها وكان لها من الفتيان ثلاثة . كيف تسمينهاو سألت القابلة مريم. فردت مريم - سميها فاطمة, على اسم جدتها من أبيها.

lundi 25 février 2013

وضعت سلمى حملها قبل مريم بأشهر. مولود جميل . كادت ولادته أن تقضي على حياة أمه فلا سعدية  تمكنت من الحضور بسبب مرض الزكام المفاجئ ولا خديجة الغائبة  عن القرية . مما اضطر زوج سلمى الى الأستنجاد بمريم في انتظار أن يذهب  رفقة عمار لاستقدام " لالا مسعودة" القابلة الوحيدة بالمنطقة .  فتدبرت مريم الأمر بمفردها قدر المستطاع  رغم قلة ادراكها بما يجب فعله في مثل تلك الحالة. وما أن رأت سلمى مريم تقف بجوارها حتى راحت تصرخ غير مبالية بحاتها - انصرفي من هنا , لا أريدك  اذهبي فورا.( لا لن أذهب) قالت مريم في نفسها. (ليس عدلا أن أتركها وحيدة . انه الألم يفعل بها ما يشاء. لا.لا يزعجني كن وأيقنت سلمى  أن مريم لن تغادر البيت, فغيرت من لهجتها - اذهبي من فضلك لا أرغب في بقائك بجانبي.
- لماذا؟ ردت مريم, أتكرهينني الى هذه الدرجة؟
- قلت لك انصرفي وسوف تتدبر القابلة الأمر فور قدومها.
- لا لن أدعك تموتــيــن. أضافت مريم في تحد قوي. 
قالت مريم ذلك ثم حاولت صرف سمعها عن صرخات جارتها التي ما فتئت أن هدأت كما تهدأ العاصفة الهوجاء مستسلمة للعرق المتصبب على جبينها وللآلام التي تنخر جسدها النحيف الجميل.
بدت ساعة انتطار القابلة أشبه بأيام ولم تعد مريم الى بيتها الا بعد أن تركت وراءها سلمى وبجانبها المولود الجديد. 
دخلت فبادرها عمار بالسؤال عن حالة سلمىو عن سبب تأخرها.
فأجابت - كانت ولادة عسيرة . ولو مساعدتي لما استطاعت القابلة فعل شيء.
كانت مريم جد مرهقة و في حال غيظ شديد. لاحظ عمار ذلك على وجه زوجته فقال وهويهم بالخروج - حسنا, ولكن لا تنسي أنك أنت أيضا حامل وتحتاجين الى كثير من الراحة. وأدركت مريم مدى صدى هذه الكلمات فلم تتماسك نفسها وشعرت فجأة بعينيها تذرفان دمعا. 


mardi 19 février 2013

                                                                    الحلقة الثامنة

أدركت مريم أمورا كثيرة كانت تجهلها وتدربت على أعمال لم تكن تتقنها من قبل, فقد تعلمت من سعدية كيف تحلب الماعز وكيف تستخرج الزبدة من الحليب وساعدتها خديجة في كيفية غرس بعض الخضر وفي كيفية تصفية القمح وطحنه بالمطحنة الحجرية.
يا لصبــر عمار, استحملها كثيرا قبل أن تتعلم تلك الأشغال بل وعند كل نجـــاح كان يهنئها على كدها واجتهادها.
غرست مريم ذات مرة بذور البظيخ وراحت تعتني بها تنكش تربتها وتسقيها الى أن تحول محيط البيت الى جنة خضـــراء ما لبثت أن برزت على تربنها الثمار الصفراء لتضفي على المكان جمالا وبهاء.لما حـان وقت الجني حملت مريم بطيخة فاستبشر عمار لرؤية ذلك المنتوج وامتدح زوجته طويلا.
فردت مريم مبتسمة - كل هدا الثنـاء من أجل بطيخة؟ وأنت الذي وبفضل الله وعونه تنتج قناطير من الحبوب. ما عساني أقول عتك؟
فأجاب عمار - لكن هذه أول بطيخة من انتاج عرق جبينك. أنت ذكية حقا يامريم .
وحاولت مريم أن تخفي ابتهاجها فتظاهرت وكأن الأمر عادي جدا ولا يتطلب كل هذا المدح. فكانت هذه بداية نقطة تجول هام في حياة مريم. اذ انكبت على غرس شتى أنواع الخضر من لوبيا وفلفل وطماطم, مما جعلها وبفضل وفرة المنتوج تنوع في اعداد شتى أنواع الطعام.
                                                                           
                                                                 الحلقة السابعة

تعود عمار أن يقصد مرة في الأسبوع سوق القرية المجاورة للتزود بما يلزم من مواد غذائية كالسكر والبن . وفي طريق العودة  يمر ببعض الجيران للأستفسار عن حالهم, وكذا التحدث في أمور فلاحية وعن الطقس والاستعدادات الضرورية لمواجهة فصل الشتاء القادم.
من وقت لآخر تزور سعدية أو خديجة جارتهما مريم فتتبادلن كالعادة أطراف الحديث حول التدابير المنزلية وحياتهن الزوجية.
أما سلمى فانها لم تعد قادرة على الخروج من البيت لاقتراب موعد وضع حملها مما دعا بالجارات الثلاث لمؤازرتها ومساعدتها كلما تيسر لهن الحال. الملفت في سلمى أنها ليست كالأخريات, فهي دوما هادئة , بل ومنغلقة على نفسها. ورغم محاولات جاراتها اختراق الحاجز النفسي الذي يفصلها عنهن فانهن عجزن . ولم تعرف مريم سبب تهرب سلمى منها على وجه الخصوص, فسألت ذات يوم سعدية عن ذلك فعلمت منها أن سلمى كانت ترغب في الزواج من عمار. ولكن والدها أرغمها على الزواج من ابن عمها. فهي لا ترى نفسها سوى زينة بين يدي رجل لا تقاسمه أدنى شعور بالحب. يا لسوء حظ هذا المسكين, يرتبط بامرأة تفوقه مالا وجمالا ولا تقدم له أدنى عون. على عكس عمار, الذي وجد ضالته في مريم التي  تبادله كل شيء حتى رغيف الخبز الصغير.

lundi 18 février 2013

                                                                    الحلقة السادسة

حركت سلمى رأسها يمينا وشمالا غير راضية بكلام سعدية بينما فضلت خديجة التزام الصمت علما منها أنه من الصعب عليها اسكات جارتها أو اقناعها. 
- اسمك مريم . أليس كذلك؟ كل نساء الجوار يرغبن في معرفتك. حتى الأطفال تواقون لرؤيتك. لست أدري لماذا فكل النساء تتشابهن.قالت خديجة . لقد بذل زوجك عمار جهدا كبيرا أياما قبل قدومك. بنى غرفتين في ظرف قصير وبمفرده, بل أنه رفض يد العون من زوجي.
--هو من بـنـاه؟ لم يخبرني عمار بذلك.
-- أجل. هو الذي فعل كل شيء . الى درجة أنسته عمله الحقيقي الذي هو خدمة الأرض.
اذا هو الذي فعل كل شيء بنفسه, من أجلي, وأنا لم أشعر الا بالخوف من العيش بين جدران  بيت بناه هو بعرق جبينه.
شهـــرا بعد ذلك, لما تمكن الزوجـان من فك عقدة الغربة التي كانت بينهما,  قصت مريم على عمار ما علمت من جاراتها.
-لماذا لم تخبرني بأنك أنت من بنى البيت ليكون لنا؟
- من أين جئت بهذه المعلومات؟
- خديجة قالت هذا يوم التقيت بها وبعض الجارات عند الجدول.
- يالها من امرأة ثرثارة, لم لا تغلق فاها؟
- ولكني جد سعيدة بما سمعت , وأعتز بما أقدمت عليه من عمل, هكذا يفعل الرجـــال.
وتردد عمار قبل أن يضيف - وأنت زوجة صالحة, لقد تغيرت كثيرا في الآونة الأخيرة.
عندما تلمع الشمس وتخضر الحقول فتسر بجمالها الناظرين. عندما يكتشف فيك زوجك جمالا لم يحس به من قبل . عندما يكون بحوزتك مدخــر كــاف من الغلة , وسقف تحتمين وزوجك تحته, وفي أعماق أعماقك ذلك الشعور الصادق بقربك ممن تحـبـيـن , فهل لك مطالب أخرى غير هذه النعم؟ أوليس هذا ما كانت تحلم مريم به ؟ هي الآن تعيش في سعادة ما بعدها سعادة. تنهض الصبح فرحة وتنام الليل راضية مطمئنة البال.
لم يكن عمار ملاكا للأرض التي يحرثها, غير أن ما يخبئه الدهر قد يكون أفضل, كانت تردد مريم. للأسرة الصغيرة بغلان ومعز وزاد من الحبوب  تستهلك منها ما شاءت ةتدخر ما استطاعت لأيــام الشتـــاء. ../..

dimanche 17 février 2013

بقي عمار واقفا وسط الغرفة برهة من الزمن ثم توجه نحو الغرفة المجاورة ليعود وفي يده قليل من القمح
- بمحصول كهذا سوف لن ينقصك شئ ياعزيزتي . قال ذلك ثم اتجه نحو الغرفة المجاورة فما لبثت مريم أن حذت حذوه.
الآن وبعد مضي زمن طويل, لازالت مريم تتذكر تلك الحقبة من عمرها ولازالت صور كل من أحبت تـتـسـابق أمام عينيها, كل أشياء الماضي من مشاهد وأشكال وظلال حتى أنه يخيل لها الآن في هذه اللحظة بالذات وكأنها تقف على ضفة ذلك الجدول المنساب وسط الحقول فلا ينقصها الا الأنحاء قليلا لتلمس ماءه البارد. ذلك السيل الذي كان جزءا من حياتها لم يعد اليوم سوى مجرد ذكرى من حياة تقول عنها أنها انتهت منذ مدة.
فلم يكن قد مر عن زواجها الا أسبوع وها هي مريم تـتـبـع مجرى الوادي بحثا عن مكان مناسب لغسل الثياب. بعد عناء, وجدت مريم ضالتها في مجرى واسع وضفة محفوفة بصخور صغيرة ,  فوضعت هنالك حملها وراحت تبلله بحذر ثم رفعت أسفل فستانها الى حد ركبتيها ونزلت وسط الجدول تحك الغسيل على حجر مسطح مضيفة في كل مرة شيئا من الصابون الذي أحضرته معها. ثم طرحت الغسيل على الضفة ليجف قليلا. وما أن رفعت رأسها حتى أبصرت  ثلاث نسوة يقتربن منها . تعرفت من بينهن عاى جارتها سعدية التي كانت قد زارتها منذ يومين فقط كانت كل واحدة تضع على رأسها حزمة من الثوب . واحدة منهن كانت تحمل على الورك رضيعا.أما الأخرى فبدت وكأنها حبلى. ابتسمت مريم عند رؤيتهن فاقتربن منها وقد بدت عنهن مودة واضحة. كانت سعدية طويلة القامة, ذات أوراك عريضة وصدر مثير للأستفزاز. أما الثانية فكانت نحيفة و ذات وجه شاحب. الثالثة كانت أصغر منهما سنا وأجمل أيضا. غير أنها كانت تتمايل في سيرها لدرجة أن مريم خافت عنها من السقوط في المجرى. لاحظت سعدية ذلك فباردت مبتسمة - هذه جارتنا سلمى وهذا حملها الأول. ثم أردفت ضاحكة - وسوف لن يكون الأخير, لأن زوجها وكما ترين لم يضيع وقته.
وهذه خديجة, زوجة صاحب الدكان الوحيد بالمنطقة. عندئذ تدخلت خديجة -  أسكتي يا سعدية ألا ترين أنك تخاطبين امرأتين تعيشان  أحلى أيام زواجهما . فهذه مريم لم تكمل بعد شهر العسل وتلك سلمى في عامها الأول.
- هذا ليس مهما, ردت سعدية. أليستا مثلنا؟ سلمى بحملها وهذه( مشيرة لمريم) ستنال نصيبها في أقرب الآجال. كل الرجـــال يتشـــابهـــون.

samedi 16 février 2013

قضى الزوجان ساعات أثناء رحلتهما الأولى مارين بقرى متباعدة قبل أن يصلا الى دارهما, وخلال السفر توقفا عدة مرات للأستراحة تارة ولتناول شيء من الطعام  طورا آخر. كما كان للحيوانين نصيب من الراحة والعلف.
- ها قد وصلنا.  صاح عمار. كان ذلك اسمه,غير أن مريم لا تستطيع مناداته باسمه لأن التقاليد تمنع ذلك على الزوجين أن يتناديا باسمهما. ونظرن مريم فلم تبصر سوى كوخا منتصبا وسط حقول القمح الممتدة على امتداد البصر. وحدقت النظر ثانية صوب عمار كأنها تريد أن تسأله - هذا الكوخ المشيد من الطين والقصب هو بيتي؟.
وكأن عمارا قرأ ما يلوج بخاطرها فأردف قائلا- تعالي أريك ما بداخله.
ونزلت مريم وقد بدا عليهاالتعب وارتسمت على ملامحها علامات الاستياء والقلق.
ودخلت مريم بيتها الجديـــد. كانت به غرفتان صغيرتان, واحدة للنوم وأخرى للطبخ وكافةالأستعمالات المنزلية. وهناك غرفة ثالثة لم يكتمل بناؤها. بالأنتهاء من انجازها ستتحسن ظروف اقامتنا, هكذا قال عمار وكأنه أدرك مايجول بخاطر زوجته.
وحاولت مريم أن تقلل من وطأة خيبة الأمل التي اجتاحتها فحركت رأسها. والواقع أنها كانت ترغب في البكاء . في الصياح . في افراغ غضبها. بل وحتى في الفرار من هذا المكان البائس الكئيب. وأحست برجليها ترتجفان فجأة فهوت الى الأرض فأدركها عمار قبل أن تسقط  وقد بدت على وجهه علامات الحيـــرة.

vendredi 15 février 2013

لم تكن والدة مريم راضية بهذا الزواج اطلاقا, لكنها كانت تقول في قرارة نفسها- هل من حل آخر غير جهذا ذلك؟
ان مريم لم تكن هي الأخرى ذات جمال أو مال.
( زفاف ردئ) - كان أهلها يرددون خفية بينهم خشية أن تسمع مريم .
يقال أن المرأة تـتـذكر على مدى الحياة ليلة زفافها . قد يكون ذلك صحيحا عند أخريات أما بالنسبة لمريم فانها تفضل أن تسترجع عبر ذاكرتها ليالي أخرى كلها حلاوة وعذوبة. فما أن انتهى الحفل حتى رحلت العروس صحبة زوجها. كانت أمها واقفة بالباب , لم تكن تبكي ’ غير أن عينيها كانتا مغرورقتين بالدمع. وبالقرب منها يتقدمها قليلا وقف الأب لتوديع العروسين.
وضع الزوج الشاب  صندوقا خشبيا وبعض الأواني الفخارية في جهة من العربة التي استعارها للمناسبة ثم ركب الى جوار ما أصبحت تعرف الآن برفيقة حياته. كان كله اعتزاز بالجلوس الى قربها. لقد حقق ككل شاب طموح حلما راوده لسنين طويلة.
لم تقدر مريم على رفع رأسها من شدة الخجل الذي كان يراودها . وتهاطلت دموعها تحرق خديها فلا تستطيع حتى مد يديها لمسحها.  ياللفضيحة. مريم ابنة كبير القوم تزف على متن عربة مخصصة أصلا لنقل البقول والخضر .( ماذا ستقول عني نساء القرية؟). كانت مريم تحدث نفسها والحسرة تعسر فؤادها.ثم تحاول أن تسترجع شجاعتها وثقتها فتقول.( قد يحدث هذا لغيري. بل لبنات أصحاب القصور وحتى للأمــيـــرات).
وتحركت العربة . وانطلق البغلان في تثاقل كأنهما يريدان أن يمنحا مهلة لعواطف المودعين.
(../..)

jeudi 14 février 2013

تزوجت أخوات مريم الثلاث قبلها بكثير. شلبية هي الأولى . كان العرس رائعا دام أياما وليال. وليمة كبيرة . هدايا من كل نوع. حلي كثيرة. كل ما يناسب بنت شيخ القرية (أو كبير الدوار كما كان يطلق عليه وقتئذ.) ثم جاء دور ياسمينة , هي أيضا تزوجت أحد ميسوري الحال. جرى الحفل على أحسن ما يرام. لكن لما حان دور زواج ثلجة . لم يتمكن الوالد من دعوة الجميع كما جرت العادة.بل اكتفى بأقرب الناس اليه في النسب والجوار. وكحلي لم تحصل ثلجة الا على الشئ القليل.
- ماذا سيكون نصيبك؟ - سؤال كثيرا ما كانت أم مريم تطرحه على ابنتها وهي تحضن وجه صغيرتها بين يديها.
-سيكون زواجي أجمل من زواجهن . ترد مريم مبتسمة. لتضيف- أوليس أبي رئيس هذه القرية وعمدتها؟
وتستبشر الأم لكلام ابنتها. فتذهب عنها تلك السحنة من القلق. لكن ذات مرة لما كانت تردد ذلك الاعجاب بأبيها اذ بأخيها الأكبر يقاطعها مغتاظا. كفي عن السخرية .. ألا تعلمين أنه لم يعد لوالدنا مكانة ولا أهمية بين الأهالي.
كانت تلك المرة الأولى التي تسمع فيها مريم أن والدها لم يعد ذاك الرجل المهاب والذي كانت تفتخر بالأنتساب اليه. فلقد قامت سلطات الأحتلال الفرنسي بتعيين عميل لها على رأس القرية.أو القايد كما كان يسمى آنذاك. فزعت البنت البريئة للخبر غير مصدقة. لكنها أدركت فيما بعد لما بلغت مرحلة الشباب أن والدها فقد الكثير من الجاه والرتبة والمال. ولربما ذلك هو أحد الأسباب الذي دفعه الى تزويج مريم بفلاح من القرى البعيدة لا يملك سوى قوت يومه... والحب الذي كان ينتظر من مريم أن تمنحه ايــــــاه.(../..)

mercredi 13 février 2013

أحيانا في الليل يخيل لمريم  أن  زوجها لا يزال على قيد الحياة, تتخيله يقترب منها رويدا رويدا عبر طبقـات ضباب كثيف فتمد يديها لاستقباله ولكن  سرعان ما تستيقظ مذعورة لتكتشف أن ذلك لم يكن الا حلما من تلك الأحلام  التي لم تعد تفارقها منذ أن فقدت زوجها. ويدنو الصباح ومعه يتحول الطل الرمادي الى نور ذهبي . فتسمع في البيت حركات النائمين وهم يستيقظون,يخرج الواحد تلو الآخر من البيت الصغير. حفيدها صابر, ابنتها فاطمة. -هل أنت سعيد بقربي ؟ سؤال كثيرا ما طرحته مريم على حفيدها . فيحرك صابر رأسه كعادته تعبيرا منهعن رضاه .
ما العمل؟ انها عادة امرأة عجــوز ترغب في الاطمئنان والطمأنينة.
من هنا من مكانها من على الصخرة القريبة من بيتها تجلس مريم كل صباح تتمعن كل ما يحيط  بها من سهول وجبال . من هنا وعلى بعد مئات الأمتار واذا لم تكن عيناها مغشتين بالدمع يترائ لها ذلك المبنى الأبيض الكبير. ليس المال وحده من بناه بل قوة وشجاعة الرجـــال. هي أعلم بذلك لأنها كانت شاهدة على مراحل بناء تلك البناية العالية البيضاء . شاهدت الجدران ترتفع شيئا فشيئا حجارة فوق حجارة على مر شهور بل أعوام. لقد تحول هذا المبنى الى رمز من رموز حياة مريم المليئة بالأسى والأحزان على مر عقود مضـت .