vendredi 6 mars 2015

القرية التي تعانق السحاب(4)

عامان قضاهما كمال يعد أيامهما ولياليهما ، عاد على اثرهما الى الحياة المدنية وانخرط من جديد في سلك التربية والتعليم ، مهنته المفضلة، درس بقرى  في مختلف جهات ولاية البرج فلم يحلو له مستقر ولم يركن لمقام . انتهى به المطاف بمدرسة وسط المدينة  تعرف فيها على زميلات  عازبات لما يكن لهن الا الاحترام . ماعدا ذلك،فقلبه لا يزال معلقا" بالقرية التي تعانق السحاب "، حيث تقيم الجميلة وسط بساتين التين والعنب والرمان.
آن الأوان لمفاتحة الأم في أمر زواجه، تقوى بفكرة أن والدته سوف لن ترفض له طلبا  باعتباره وحيدها ومدللها، في البداية لم تكن راضية بل تفاجأت عندما  صارحها  بهوية من يحب . دلها على   أهلها وراح يعد محاسنهم وأخلاقهم سعيا منه لأرضائها بالقبول. وككل أم حنون راحت تطرح بدورها محاسن ابنـة عمه ولما أدركت منه أنه لا يرغب، قبلت عن مضض.
وصل وأمه ذات يوم جمعة الى القرية محملين بهدايا اقتناها خصيصا من المدينة ، هناك استقبل استقبال البطل العائد من المعركة.  هذا يسلم وذاك يصافح وآخر يبوح بأعذب الكلام. طرق باب " سي رابح" ففتح في وجههما الباب على" مصراعيه". نودي على صاحب الدار فجاء مسرعا من بستانه وجلس الرجلان يتبادلان أطراف الحديث  حول أمور شتى الى أن بـــاح كمال لمضيفه  بسبب الزيارة.
لم يجد أبو" الجميلة" ردا شافيا وراح يزن كل كلمة يقولها خوفا من أن يصيب ضيفه بما لا تهوى نفسه  ومن مجمل أن ردد الأب  أن الزواج قسمة ونصيب. وليختم استعراضه بالقول أن " الجميلة" تزوجت منذ شهور وهي الآن تقيم ببيتها الزوجي . أحس كمال بدوار وسال عرقه  وأضرب عن الكلام. ماذا عسا يقول والبيت هد على رأسه. وهل من حقه أن يسأل – كيف ولماذا و لمن زوجها؟؟
وكأن " سي رابح فهم ما يجول بخاطر المعلم كمال فأضاف مواسيا-  لو أنك وضعت يدك عليها وقصدتني ما كنت أختار لها زوجا غيرك. فأنت المبجل وكم تراني اليوم آسفا متحصرا.
أن يقول الآن كلاما معسولا فهي شيمة هؤلاء القرويين الطيبين ولكن الكلام لم يعد يجد نفعا ولا يرقع ما تمزق من قلب كمال.  عاد من هناك مكسور الجناح،،  تغير مزاج كمال وانغلق على نفسه بعيدا عن  كل ما يحيط به. من العمل الى البيت  يلهي نفسه بمطالعة أمهات الكتب  والمجلات الآتية من الشرق الأوسط والشام.
مرضت أم كمال فطاف بها مستشفيات البرج و سطيف ثم العاصمة ، لم يكتب لها العيش أكثر مما عاشت ، وهي طريحة الفراش أوصته بإكمال نصف دينه، فوعدها بالنظر في الموضوع , وأن  ما يهمه الآن هو شفاؤها وفقط.
هـــا هـــو اليوم وحيدا، فقد الأم الحنون وقبلها الحبيبة" الجميلة". لا شيئ ينسيه الحرقة الا السفر بعيدا، بعيدا خارج الوطن. كان حلمه الأخيــر. تجاوز سن الأربعين ولا يزال يقاوم الانكسار والوحدة . ورث عن أمه بيتا  متواضعا واشترى سيارة  تحمله بعيدا عن ضوضاء المدينة حيث تعود صيد السمك بالسد القريب.
توقف ذات يوم بمحطة البنزين للتزود فتعرف عنه شاب  ناداه ب"الشيخ" فاستدار ليرى وجها ليس غريبا عنه. انه أحد تلاميذ مدرسة القرية التي تعانق السحاب. جلسا بمقهى المحطة يستعيدا ذاكرة الزمن الجميل. حتى وصل بهما الحوار الى الحديث عن  أهل القرية وليعلم وقتها، ووقتها فقط أن " الجميلة" توفيت  منذ فترة وجيزة بعد انهيار عصبي أصابها جراء سوء معاملة زوجها لها، فطلقت الدار وهامت على  وجهها بين الوديان والجبال كأني بها تبحث عن شيء فقدته . اضطر والدها " سي رابح" الى نقلها الى أطباء ماهرين لكن دون جدوى . وبينما كانا عائدين من السفر من العاصمة  اصطدمت السيارة التي كانت تنقلهما  بشاحنة فماتا على الفور. لم يدم انتظار كمال طويلا ففي اليوم الموالي ركب سيارته  متوجها الى القرية عبر مسلك الطريق الضيق الذي لم يتعود السياقة فيه  وباحدى المنحدرات فقد السيطرة على المركبة فهوت به الى أسفل الجبل لترطدم بسور المقبرة  ومات. مات  حيث ترقد ....الجميلة. لم  يكن له أقرباء هناك بمقر سكناه فأقـــام له سكان القرية
حفل جنازة مهيب  ودفن بمقبرة القرية التي تعانق السحاب  . أصبح مزارا لأكبر مسؤولي الدولة لذين  لم يكونوا    يوما الا  تلاميذته . دفن ومعه سر حب لا يعلمه الا هو   و....الجميلة.

                                                                             ( تابعونـــي) .......

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire