القرية التي تعانق السحاب (2)
أعجب التلاميذ والأولياء على حد
سواء الطريقة التي يتعامل به كمال مع الأولاد الصغار ومع بقية القرويين . ولم
يقتصر جهده على العمل التربوي بل تعداه إلى مشاركة السكان انشغالاتهم المتعددة في
مطالبة السلطات المحلية بتوفير مستلزمات الحياة للمواطنين، فكان يكتب الشكاوى
ويحملها بنفسه إلى مقر البلدية . كما يملأ استمارات المتقاعدين التي تأتيهم من
فرنسا، ويرد عنها باللغة الفرنسية. لقد كان العون والصديق والمعلم المثالي
وبذلك أصبح محل إعجاب وتقدير الجميع. وشيئا فشيئا توطدت العلاقة . جاء بأمه
للعيش معه بالحجرة التي حولها إلى مسكن
لائق. فاستحسنت الأم الوضع وأعجبت بالحياة البسيطة التي يعيشها سكان
القرية النائية.
كانوا لا يبخلون عليها بما جادت به بساتينهم من تين وزيتون وعنب . يأتي بها
التلاميذ يوميا محملين أيضا بزيت الزيتون الصافي المستخرج من معصرة القرية مباشرة.
ذات مرة حضر عيد الأضحى ولم يكن معه مال ففاجأه القرويون بذبح سمين . أحس أنه أصبح
واحدا منهم بل الأعز وأراد أن يرد الجميل فأضاف حصصا خارج نطاق البرنامج الرسمي وأنشأ صفا خاصا بمحو
الأمية للكبار ليلتين في الأسبوع يتعلمون على
ضوء مصباح تقليدي مبادئ الغة والحساب .
واستمر الحال على ما هو عليه إلى حلول عطلة الصيف . غادر وأمه القرية والحسرة تملأ
قلبهما لفراق أناس أحباهما وأحبوهم على أمل العودة في الموسم القادم إن شاء الله. تزامنت
فترة العطلة السنوية مع استلام كمال لأول دفعة مالية من مستحقاته والتي كان
ينتظرها بفارغ الصبر وحسب لها ألف حساب .
اغتممت الأم الفرصة وتبادر إلى ذهنها
فكرة تزويجه .قالت له أنا لم أعد قادرة على التنقل ولا على الطبخ ولعل في تزويجك
حل يكفيك عيشة الوحدة بعيدا و يكفيني مشقة التدابير المنزلية التي مللتها بل لم
اعد أستطيع تدبيرها.
رد على أمه بالقول أن الوقت لم يحن بعد وعليه قبل البت في موضوع الزواج أن
يحسن ظروفه. قال ذلك تهربا من الوقوع في فخ الزواج من ابنة عمة والتي ما فتئت أمه تذكره بها وبخصالها في تسيير
شئون البيت.
أما كمال فقلبه لايزال معلقا بالقرية " التي تعانق السماء" وبوجه
التحديد صوب بنت من بناتها .
كل ليلة وما أن يستلقي على الفراش حتى تتسارع صورتها الجميلة أمام عينيه
فتحوم به مخيلته آلاف الأميال
بعيدا عن هموم الدنيا ومآسيها يرى نفسه وإياها طائرين في سماء يدفعهما نسيم
الحب إلى ما لا نهاية. فينام على صورتها ليستيقظ في اليوم الموالي على أمل لقيآها
يوما حقيقة وليس صنع خيال.
رآها لأول مرة واقفة بباب دار من دور القرية ، كانت تنادي أخاها ولما أبصرت
المعلم انزوت قليلا خلف الباب، تلك اللحظة
كانت كافية ليكتشفها ويكتشف سر جمالها الفياض بأنوثة بنات القبائل .
ابتسم لها دون أن يكلمها . ردت
الابتسامة بخير منها وأكمل سيره نحو وسط القرية حيث الدكان الوحيد بالمكان وليعود
على عجل متمنيا أن يلمحها مرة ثانية ولو عن بعد كيلومترات. الاحترام المتبادل بينه
وبين أهل القرية منعه من التمادي فاكتفى بالتفكير فيها ولو بعيدا. هام في حبها و
تمناها أن تكون من نصيبه في يوم ما لكن
على سنة الله ورسوله. في تلك الليلة عادت به صورتها الجميلة ، ليتفنن في وصفها على
الرغم من أنه لم يراها الا برهة من الزمن ، لكن الصورة رسخت في ذهنه الى الأبد. - عمرها قد لا يتجاوز ال18 هكذا قال في نفسه.
قدها قد يتجاوز المتر والسبعين ،
بنيتها الجسمانية كما يرغب تماما . لكن الذي لفت اتباهه فيها أكثر زرقة
عينيها الدافئتين ووجنتيها المغمورتين صفاء ونقاوة نقاوة بنات القرى . انها المرأة التي كان يحلم
بها عندما كان بمقاعد الدراسة يتجاذب أطراف الحديث مع أترابه حول صفات فتاة أحلام
كل واحد منهم. أن تعود
أمه اليوم وتحدثه بعد كل هذا عن الزواج من ابنة عمه .. أمر أدخله في دوامة من
التفكير اللامتناهي.....
الى اللقاء في الحلقة
الثالثة
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire