القرية التي تعانق السحاب (1) على
متن سيارة بيجو 403 والتي تجاوز عمرها عقودا من الزمن ركب المعلم ومسافرون آخرون .
كان عليهم التدافع للظفر بمقعد مثلما يفعل تماما الشغوفون بكرة القدم أمام أبواب
الملاعب .لقد ملوا طول الانتظار من الفجر الى الساعة السابعة صباحا . 4 ساعات مرت
وربما تأتي مركبة أخرى أو لاتأتي . أصحاب السيارات بالمدينة يرفضون الذهاب إلى
القرية الجبلية البعيدة من هنا ب40 كيلومترا والمترامية في قمة جبل زمورة . المسلك
الوحيد المؤدي إليها من زمورة لا يصلح إلا للحمير. وكم من راجل
هوى إلى الوادي فانسلخ جلده أو أصيب بكسر بل حتى بإعاقة. كان على كمال قطع
مسافة 6 كلم مشيا على قدميه للوصول الى المدرسة.
لا يزال يتذكر أول يوم رأى فيه ذلك المبنى الذي سمي ظلما
بمدرسة التعليم. الموقع يبعد عن القرية شرقا بحوالى 700 متر . هو عبارة عن بناية
تصلح لكل شيئ الا للتعليم ،هو أقرب لمحضنة للدجاج أو مخزن للحبوب منه الى مكان لنشر العلم. غرفة مقابلة تضم مرحاضين تفصل بين الحجرتين ساحة للعب تراكمت بها بقايا أشغال البناء والحجارة وقضبان
حديدية مختلفة. لم يصدق كمال ما رأت عيناه ،أهذه هي المدرسة ؟ تمنى أن يكون مخطئا. ولم
يتمالك نفسه فقرر العودة على الفور الى المدينة
ونصب عينيه هدف واحد، اما نقله الى مكان آخر أو تقديم استقالته، والبحث عن
وظيفة أخرى. يا لسوء حظه، بعض زملائه ممن لهم معارف ومن ذوي الجاه تم تعيينهم بمدارس داخل
المدينة أو قريبة منها . قبل أن يعود الى
مديرية التربية عرج على بلدية( زمورة) ليستفسر الأمر فعلم من الرئيس أنه كان
ينتظر تعيين معلم للقيام بما يتطلب من تهيئة وتجهيز . أما عن استقدام منظف أو حارس
فذاك يتطلب وقتا لحين ادراج ميزانية مالية
جديدة. فهم كمال أنه يجب عليه أيضا القيام بوظيفة المنظف والحارس في آن
واحد. يا لها من مهزلة...راح يردد ولم يدر أيضحك لحاله أم يبكي.
في اليوم الموالي أعلم كمال مفتش الدائرة بوضعية المدرسة وطلب منه نقله ،لكن المسئول وعد بحل سريع ولا
داعي للتسرع فكل مدارس القرى تتشابه حالتها.
بعد تردد عاد كمال ليباشر عملية تسجيل التلاميذ. بين صعود
ونزول في أزقة القرية لم يجد كمال آذانا صاغية
الا من القليل ممن وعدوه بالتفكير في الأمر لاحقا.
فكر في الاستنجاد بامام المسجد فوعده الأمام بتشجيع السكان
خلال صلاة الجمعة على ارسال أولادهم الى المدرسة الحكومية . وقال رجل الدين لكمال أن
تسجيل البنات غاية صعبة المنال وعليه التركيز على الذكور أولا.
في انتظار ذلك شرع كمال بعد وصول بعض التجهيزات من البلدية في
تحضير وسائل ورقية ومجسمات للأنطلاق في أحسن الظروف متى وصل التلاميذ . عند
الظهيرة يغادر عائدا سيرا نفس مسافة الصباح للوصول الى مفترق الطرق المؤدي الى
المدينة . تعرف خلال شهر من محنته على زملاء يقاسمونه نفس المعاناة فقرروا
الأستنجاد بصاحب مركبة ينقلهم ذهابا
وايابا مقابل مبلغ مالي شهري . وبذلك حل جزء من المشكل.
بعد محاولات متتالية من المعلم والامام شرع الآباء في تسجيل أبنائهم . المهم أن
يتعلموا القراءة والكتابة قال البعض وأضاف آخرون في تهكم واضح – ربما يدفع فتح
المدرسة البلدية الى فتح طريق واسع يسمح
بوصول السيارات الى غاية القرية. لما بلغ العدد 15 مسجلا قرر كمال بدء العملية
التربوية التي جاء من أجلها .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire