امرأة للبيع.
قالت وهي جالسة على كرسي خشبي بقاعة من قاعات مركز الشرطة تتأمل يديها المكبلتين بالحديد، سأحكي هذه القصة لأني أخاف إن لم أقصها عليكم اليوم أن تسقط من قاموس الحكايات التي سوف ترددها نسوة وعجائز بلدي. تتسارع الموت لدينا في بلدي هذه الأيام، من جراء أمراض ك"السيدا" و الأيبولا والملا ريا" و غيرها كثير. ألا ترون أن المتجول اليوم بالمدن والقرى لم يعد ير بها إلا الشباب والأطفال .فأين اختفى الكبار الذين كان شغلهم الشاغل الفلاحة والصيد؟ ماتوا جراء الأمراض أو عجزوا ، الشباب لم تعد لهم رغبة في الإنجاب. لا يهمم سوى اشباع رغباتهم الذاتية والتمتع بالملذات.والجري وراء المال مهما كان مصدره حلالا كان أم حراما.
أريد أولا أن
أقول لماذا جئت إلى هذا البلد وتركت وطني هناك، حيث الشمس الدافئة والحقول الزاهية و كل أقريائي, حيث قريتي الصغيرة ومزارعها الخضراء وواديها المتدفق شتاء و صيفا على مدارالعام . حيث يقضي أطفالها أيام الصيف في صيد العصافير
ومساعدة آبائهم في جمع الغلة, حيث الراعي يقطع القرية طولا للمرور بقطيعه إلى
المراعي الشاسعة. البهائم لها مكانة عندنا هناك، فمنها غذاؤنا ومتاعنا ومنها المال ندخره لتزويج
أبنائنا وبناتنا وعند الحاجة. لا يقتصر عمل النساء على إنجاب الأطفال فحسب بل
تشاركن الرجال في جلب الماء من البئر و غرس بذور الخضر وسقيها. عندنا يختار أهل
الزوج عروسة ابنهم منذ صغرها, مثلما حدث لي تماما... فقد زوجني والدي لابن جارنا الذي كان
يكبرني بسنوات وانتظرت العائلة إلى غاية يوم كبرنا ليتم الزفاف. غادر بعدها زوجي الى أوروبا
على الرغم من اعتراض أبويه الا أنه أصر. مثله من الشباب كثير من التحق بفرنسا .
بعث أشهر بعث لي زوجي (حميد) رسالة يطلب مني
الالتحاق به قائلا – إن هنا العمل متوفر،
يكفي على المرء البحث والاجتهاد. هنا كل شيء متوفر. ومع الرسالة مبلغ من المال تكلفة
تذكرة الطائرة . كان علي طاعة زوجي. وهكذا وصلت إلى هنا، الى مدينة مرسيليا.
لما رأيته على تلك الحال ، بسروال" الجينز"
القديم البالي وقميصة الممزق على
الذراعين ورأيت الغرفة التي يتقاسمها مع
خمسة من المهاجرين ، رفضت البقاء وصارحته أن علي العودة إلى قريتي. قلت في نفسي - أن أتزوج شيخا
أو أكون الزوجة الثالثة أو الرابعة أهون من العيش هنا.
رد علي – ألم أقل لك أنها الجنة هنا، ما عليك إلا الجد والعمل . فهمت قصده.
قضيت منذ ذلك اليوم عشرين سنة أبيع الهوى
وأمنح جسدي للغير. كنت شابة وجميلة الكل يرغب في معاشرتي. أما "حميد "فكان
يقضي الوقت من مخمرة الى أخرى يتلذذ طعم أنواع الخمور يصرف من المال الذي يدر عليه جسدي. مضت السنوات متسارعة لم أعرف
خلالها للحياة لذة أو أستقر على حال أو
أشعرفي يوم من الأيام براحة نفسية.
مر من عمري عقود وذات يوم عاد حميد كعادته مخمورا ونظر الي باشمئزاز ثم قال – يكفي، انتهى أمرك، ان أردت
العودة الى قريتك فلا أرفض لك أمرا . أنت لم تعودي تجلبى الأنظار. علي البحث عن شابة أخرى من البلد.خذي تذكرة الطائرة .أما ان اخترت البقاء هنا فليس لي بك من الآن أية صلة تجمعني واياك.
هكذا اذا طلقني حميد الذي أفنيت العمر في خدمته. قبلت النوم مع رجال بيض ورجال سود ومن كل الأجناس لأنهي
المشوار مرمية بالشارع. لا يمكنني العودة الى قريتي. أستحي أن يراني الناس على هذه
الحال .أسنان مسودة . شعر غمره الشيب . وجه سطرت عليه التجاعيد سواقي وأنهارا .لست اليوم الا ظلا لأمرأة من البدو . قررت
البقاء للأنتقام من الرجل الذي ضيعني.
سكتت قليلا ثم قالت متنهدة - كان
لزاما علي أن أغرس السكين في قلبه ، ففعلت.