استيقظ أحمد على غير عادته باكرا هذا الصباح, وبعد أن تناول فطوره أخذ الدفتر العائلي وانطلق صوب البلدية وبالضبط نحومكتب الحالة المدنية. نظر الى ساعته ليطمئن عن موعد فتح الشبابيك. أمامه متسع من الوقت, لكنه تذكرفجأة أن الحصول على وثيقة من الادارة هذه الأيام تتطلب أن تكون من بين الأوائل عندما يفتح باب البلدبة, والا انتظرت اليوم كله . لما وصل وجد نفسه في مؤخرة طابور طويل من المواطنين المصطفين أمام الباب الخارجي للبلدية. فما كان عليه الا الوقوف في الصف ككل الناس.
تواصل تدفق المواطنين والباب لا يزال مغلقا. نظر الى ساعته مرة أخرى مستعجلا انجاز ما جاء من أجله. لكنها الادارة والادارة لها قوانين يجب احترامها. لست هنا في السوق أو بمقهى تطلب ما تشاء ومتى تشاء.
أخيرا, فتح الباب الحديدي,فاندفع الناس في سباق للوصول نحو الباب الزجاجي ليكونوا مرة أخرى طابورا لا مكان فيه الا للأقوى.
وبعد دقائق معدودات ارتفعت خلالها أصوات منددة وأخرى مهددة حضر الحاجب فصاح في الحاضرين بوجوب الأنتظام والصمت والا تركهم و ينتظرون مدة أطول. سمعا وطاعة هلل البعض, متمنيا أن يفتح الباب أخيرأ.
أما الحاجب فقد أخرج هاتفه وراح يتكلم مبتسما تارة وضاحكا طورا آخر. فيبتسم الناس لابتسامته. وسرعان ما يغتاظ فينكمش الحاضرون في صمت رهيب. أغلق الحاجب نقاله واستدار نحو رجل كان يقف خلفه فعانقه ثم تبادل الرجلان أطراف الحديث وما لبث الرجل أن أخرج دفترا عائليا سلمه للحاجب ثم انصرف. عد بعد ساعة. لا تقلق. أنا هنا. قال الحاجب مودعا "صديقه"
أخيرا دخل المواطنون بهو قاعة فسيحة فتسارعوا نحو الشبابيك حيث وضع كل واحد وثيقة ما أمام الشباك الخاص بالوثيقة المرغوب استخراجها. لاحظ أحمد أن الموظفين لم يأتوا بعد فاستغل الفرصة ليتجاذب أطراف الحديث مع شيخ هرم بجانبه.قال الشيخ, هل تعلم يا ولدي أنني حضرت من أقصى الولاية للحصول على الوثيقة التي أريد اليوم استخراجها. وعلي أن أعود قبل منتصف النهار والا فاتني موعد انطلاق الحافلة. لا تخف ياعمي . رد أحمد سترحل في الموعد. كل شيء الآن مسجل بتلك العلبة التي تراها من وراء الشباك.يضغط الموظف عل الزرفتظهر وثيقتك في لمح البصر. انه التطور التكنولوجي . فتنهد الشيخ وقال. كنا في الماضي...
وهنا قاطعهما الموظف من وراء الشباك. - لمن هذا الدفتر؟ قال الشيخ- هو لي. ماذا تريد؟ سأل الموظف. - أريد شهادة ميلادي.
أجاب العجوز. فقال الموظف- يا حسرتاه أنت مولود في القرن الماضي. وعام ميلادك غير محدد. بل تقريبي. عليك الذهاب الى مقر الدائرة ليسلموك هناك وثيقة تثبت سنة ميلادك فتأتي بها الينا. ودون أن ينتظر استفسارا من الشيخ سأل مخاطبا أحمد. ماذا تريد؟ -شهادة ميلادي من فضلك. تمعن الموظف الدفتر ليعود فيسأل أحمد ثانية- أبوك اسمه ميلود أم الميلود؟ قال أحمد وقد راوده الشك في أن الموظف يبحث عن ذريعة ما ليدفع به الى الخارج كما فعل مع الشيخ فقال-كما في الدفتر. انظر جيدا وسترى. فقال الموظف- اذا قرأت الاسم بالعربية فهو الميلود. أما في الأسفل فقد كتب بالحروف اللاتينية "ميلود". ولذا فلا يمكنك الحصول على الشهادة الا بعد أن تصحح الخطأ. قال أحمد وأين يكون ذلك يا أخي؟ قال الموظف- عليك برفع دعوة قضائية لدى محكمة الاختصاص و تطلب تصحيح اسم والدك. لم يجد أحمد ما يقول, فأخذ الدفتر وخرج من الباب الذي خرج منه الشيخ منذ لحظات. وهويمني نفسه بالعودة غدا أو بعد غد لاستكمال ملف التوظيف الذي لم يبق من الوقت لايداعه سوى أياما معدودة. (والبقية تأتي) .../...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire