فتحت طاحـونـة المعمر " مرسيل "أبوابها فالتحق للعمل بها نفر من شباب القرية من بينهم "كمال" وابن سلمى البكر .
- أرأيت؟ قالت سلمى مخاطبة جارتها مريم-ان الطاحونة نعمة علينا, فلقد تحسن وضعنا المعيشي بفضلها وقريتنا ما فتئـت تتـوسع بفضل العمران المتزايد ونزوح سكان القرى المجاورة وأهل الريف. - ألازلت متمسكة برأيك فيما يخص الطاحونة؟
- بكل تأكـيـد. أجابت مريم. وأعيد فأكرر أن التطور الحالي سيقضي على السكون والهدوء اللذين كنا نحياهما . سوف يعم الزحام والضوضاء . سوف تنتشـر الأوساخ في كل مكان. سوف تسوء أخلاق الناس فلا جـار يراعي حال جاره والكل يلهـث وراء جمع المال.
- كل هذه مجرد تـنـبـؤات خاطئة . ردت سلمى ضاحكة.- ولا أرى غرابة في أن يوصفنا بعد اليوم أهل الحضر بالقرويات المتـحـجـرات, لحسن حظي أنني لست ولن أكون كذلك مطلقا. عندئذ صاحت مريم غاضبة ـ لو كنت مثلنا لأفضل, فيكون حسك ووعـيـك بالخطر الذي يحدق بنا أكبر وأنجع. لم تضف سلمى شيئا بل اكتفت بتحريك كتفيها ثم انصرفـــت.
بقيت مريم بالباب واقفة تتأمل تمايل سنابل القمح وهي تقول في نفسها- ترى هل تصمد هذه النباتات طويلا أمام زحف العمران المتنامي؟
لم تمض سوى أيام واذا بخديجة تطرق باب مريم . جلست المرأتان تتبادلان أطراف الحديث فقالت خديجة وفي صوتها مزيج من الغيظ والمرارة.- أصبح الدكان لا يدر علينا الا بالقليل بعد أن تضاعف عدد المحلات بالقرية وزوجي لم يستطع منافسة التجار الأثرياء الذين حطوا الرحال مؤخرا ووفروا كل السلع وبأسعار تنافسية. ولذا قرر زوجي اغلاق المحل والرحيل الى المدينة بحثا عن عمل يقينا شر الجوع.
أياما بعد ذلك نفذ زوج خديجة وعده, فأغلق المتجر الصغير. فما سأله أحد ماذا ستفعل الآن؟
ثم ما لبث أت باع بيته فما سأله جار أوقريب ..أين سترحل؟
مرت الشهور وبقيت مريم وجارتاها سعدية و سلمى تستعدن من حين الى حين ذكر مآثر خديجة, ثم ما لبث تيار الحياة اليومية أن جذبهن اليه الى درجة جعلتهن لا تستذكرن جارتهن فحسب بل تنسين حتىأنفسهن .
كبقعة زيت, كتيـــار جارف, امتدت الطاحونة في توسعها لتبتلع جزءا من الحقول, وشيدت من حولها البنايات فتقلصت مساحات الأراضي الزراعية بسرعة مذهلة.لاأحد من القرويين استنكر أو تأسف ماعدا مريم. الكل يلهث خلف التمدن ويدير ظهره للأرض التي كانت بالأمس القريب مصدر رزقه وملجا له من البؤس والجوع والتشرد
داخل طاحونة"مرسيل"انه العمل المضني المتواصل ليلا ونهارا.المهم بالنسبة للمعمر هوالربح ولو على أشلاء أبناء هذه الأرض
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire