مرة في الشهر يتوقف العمل
بالطاحونة لصيانة العتاد، فيغتنم كمال الفرصة،ويساعد أباه في تحريك التربة وفي سقي
المزروعات المختلفة . هذا التصرف أعجب عمار كثيرا وأعاد اليه الأمل في رؤية ابنه،ذات
يوم، وهويحذو حذوه يخدم الأرض ويفلحها على سيرة الآباء والأجداد. وهكذا كلما التقيا في الحقل حول نشاط فلاحي ما الا واغتنم عمار الفرصة ليشرح لأبنه كيفية
الغرس والزرع والعناية بالأشجاروالسقي وتنقية التربة وغيرها من الاهتمامات
الزراعية. مع مرور الشهور ارتفع مرتب كمال وبما أنه لم يكن من المدخنين ولا من المترددين على المقاهي ولعب الورق, فانه لم
يكن يحتفظ لنفسه الا بالقليل ويسلم باقي المبلغ لوالدته فتحتفظ به في درج خزانتها
الخشبية التي ورثتها عن والديها.
في
احدى الأمسيات تأخر كمال عن موعد عودته على غير عادته فأثار ذلك قلق والديه. بعد
طول انتظار قرر عمار تقصي الخبر، فخرج في ظلمة الليل وفي الطريق التقى بزوج سعدية
ليخبره أن ابنه أيضا لم يعد الى حد الساعة.
فاتفقا
على الذهاب الى الطاحونة لمعرفة أسباب تأخر ولديهما. ولم يعودا الا مع بزوغ شمس
اليوم الموالي. رجع عمار ليطمئن زوجته التي قضت الليلة على أحر من الجمر تطوف
أرجاء البيت الضيق في غدو ورواح دون ملل ولا كلل. قال عمار- انه بخير والحمد لله،
سيعود هذا المساء.
أرادت
مريم أن تعرف المزيد- ولماذا لم يأت معك؟
قال
عمار- ان عمال الطاحونة أضربوا عن العمل وهم معتصمون بها الى غاية استجابة
المعمر"مرسيل" لمطالبهم.
-
لا أفهم ما تقول، يارجل، اوضح من فضلك.قالت مريم في استغراب .
-
قلت ان العمال العرب توقفوا عن العمل ويطالبون بمساواتهم بالعمال الأوروبيين في
المعاملة وفي الرواتب. أوضح عمار.
في
المساء عاد كمال فوجد أمه في انتظاره بالباب لتبادره بوابل من اللوم. فما كان منه
الا أن ابتسم لها ثم شرع في الشرح لما يحدث علما منه أنها لن تتركه يرتاح قبل أن
تعلم منه حقيقة ماجرى.
عندما
انتهى، قالت- كيف يحق لكم أن ترغموا صاحب الطاحونة على الرفع من أجوركم وأنتم
تعلمون أنه السيد
"مرسيل"
المعمر الذي تقف السلطةلبنا. هكذا اتفق العمال العرب. ختم كمال كلامه.
-
فقالت مريم- سنرى لمن تكون الغلبالفرنسية الى جانبه . سوف يطردكم ويستخلفكم
بآخرين، بل وينتقم منكم شر انتقام.السلطة والقانون بيده.أما أنتم فماذا تملكون؟
-
لا لن نعود حتى تـتـم الاستجابة لمطلبنا.
مضى
أسبوع، الكل فيه يترقب. البعض كان خائفا من رد فعل السلطة.لكن ما العمل؟ . يجب
الحفاظ على وحدة الكلمة والصف، مهما كلف ذلك من تضحيات .