lundi 25 mars 2013


وقف بائع برتقال على قارعة الطريق يبيع ثماره ، فمرت بقربه عجوز وسألته إن كانت هذه الثمار المعروضة للبيع حامضة ، ظن البائع أن العجوز (كمعظم العجائز) لا تأكل البرتقال الحامض ، فرد عليها مسرعا :
- لا، هذا برتقال حلو جدا، كم يلزمك يا سيدتي ؟ 
- أجابته : أعتذر، ولا حبة واحدة . أنا أرغب في شراء البرتقال الحامض ، إن كنّتي حامل وهي تهوى أكل ذاك الصنف من البرتقال... بألم وندم خسر البائع تلك الصفقة .
بعد وقت طويل ، اقتربت منه امرأة حامل ، وسألته : 
- هل هذا البرتقال حامض يا سيدي ؟
 
التاجر كان نبيها فبما أن المرأة حامل تذكر البائع العجوز مباشرة وكان يعلم أن النساء الحوامل في معظمهن يفضلن الحوامض ، فكانت الإجابة على طرف لسانه : 
- نعم ، هو حامض ولذيذ يا سيدتي . فكم كيلوغرام تريدين ؟ 
- أجابته : أعتذر سيدي! لن أشتري أية حبة فحماتي سيدة عجوز وأبحث لها عن برتقال حلو وطري فهي تمقت البرتقال الحامض لأنه يسبب لها حموضة المعدة .

samedi 23 mars 2013


قرر المحتال وزوجته الدخول إلى مدينة أعجبتهما ليمارسا أعمال النصب و الاحتيال على أهل المدينة ، في اليوم الأول : اشترى المحتال حمـــاراً وملأ فمه دنانير من ذهب، وأخذه إلى حيث تزدحم الأقدام في السوق ، لمح الحمـــار مراهقة في السوق فنهق فتساقطت النقود من فمه ... فتجمع الناس حول المحتال الذي أخبرهم أن الحمــار كلما نهق تتساقط النقود من فمه. بدون تفكير, بدأت المفاوضات حول
بيع الحمــار. اشتراه كبير التجار بمبلغ ضخم لكنه اكتشف بعد ساعات بأنه وقع ضحية عملية نصب فانطلق فوراً إلى بيت المحتال وطرق الباب. فقالت له زوجته أنه غير موجود لكنها سترســـل الكلب وسوف يحضره فــــــوراً . فعلاً أطلقت الكلب الذي كان محبوسا فهـــرب لا ينوي على شيء، لكن زوجها عاد بعد قليل وبرفقته كلب يشبه تماما الكلب الذي هرب ، فانبهرالتاجركيف أن كلبا يفهم لغة البشرويطبق الأوامر بمجرد اشارة من صاحبته ونسي التاجر لماذا جاء وفاوض مرة أخرى  على شراء الكلب ، فاشتراه بمبلغ كبير طبعاً ثم ذهب إلى البيت وأوصى زوجته أن تطلقه ليحضره بعد ذلك فأطلقت الزوجة الكلب لكنهما لم يريا له أثرا بعد ذلك أبدا. عرف التاجر أنه تعرض للنصب مرة أخرى فانطلق إلى بيت المحتال ودخل عنوة فلــم يجــد سوى زوجته ، فجلس ينتظره جاء المحتال فنظر إليه ثم إلى زوجته  وقــــال لها : " لمـــاذا لم تقومي بواجب الضيافة لهذا الرجل الكريم؟؟ " فقالت الزوجة : " إنه ضيفك فقم أنت بما يجب". فتظاهر الرجل بالغضب الشديد وأخرج من جيبه سكينا مزيفا - من ذلك النوع الذي يدخل فيه النصل بالمقبض - وطعنها في الصدر حيث كان هناك بالونا مليئا بالصبغة الحمراء، فتظاهرت بالموت صار الرجل يلومه على هذا التهور فقال له :لا تقلق ... فقد قتلتها أكثر من مرة وأستطيع إعادتها للحياة وفوراً اخرج مزماراً من جيبه وبدأ يعزف فقامت الزوجة على الفور أكثر حيوية ونشاطاً، وانطلقت لتصنع القهوة   نسي الرجل من شدة الاندهاش السبب الذي جاء من أجله ، وراح يفاوضه على المزمار حتى اشتراه بمبلغ كبير.عاد التاجرالى بيته وهناك طعن زوجته فسقطت جثة هامدة وقد كساه الدم فأخذ التاجر يعزف  ساعات فلم تصح. في الصباح سأله التجار عما حصل . فخاف أن يقول لهم أنه قتل زوجته فادعى أن المزمار يعمل وأنه تمكن من إعادة إحياء زوجته، فاستعاره التجار منه .... وقتل كل منهم زوجته . أدركوا أن المحتال نال مرة أخرى منهم فذهبوا إلى بيته ووضعوه في كيس وأخذوه ليلقوه بالبحر.ساروا حتى تعبوا فجلسوا للـــراحة, فنــاموا . صار المحتال يدور حول نفسه داخل الكيس ، فرآه راعي غنم فاقترب منه وسأله عن سبب وجوده داخل كيس و هؤلاء نيام. فقال له بأنهم يريدون تزويجه من بنت كبير التجار في الإمارة لكنه يعشق ابنة عمه ولا يريد بنت الرجل الثري . طبعاً ... أقتنع صاحبنا الراعي بالحلول مكانه في الكيس طمعاً بالزواج من ابنه تاجر التجار، فدخل مكانه بينما اخذ المحتال أغنامه وعاد للمدينة ولما نهض التجار ذهبوا والقوا الكيس بالبحر وعادوا للمدينة مرتاحين . لكنهم وجدوا المحتال أمامهم ومعه ثلاثمئة رأس من الغنم فسألوه فأخبرهم بأنهم لما القوه بالبحر خرجت حورية وتلقته وأعطته ذهباً وغنماً وأوصلته للشاطيء و أخبرته بأنهم لو رموه بمكان أبعد عن الشاطيء لأنقذته أختها الأكثر ثراء التي كانت ستنقذه وتعطيه آلاف الرؤوس من الغنم ...وهي تفعل ذلك مع الجميع .. كان المحتال يحدثهم وأهل المدينة يستمعون, فانطلق الجميع إلى البحر وألقوا بأنفسهم فيه. فتحولت المدينة بأكملها ملكاً للمحتال  .

vendredi 22 mars 2013

كان رجل يتمشى فى حديقة فى نيويورك

وفجأة رأى كلباً يهجم على فتاة صغيرة فركض

الرجـل نحــو الفتاة ...

وبدأ عــراكه مـع الكلب حتى قتله ...

وأنقذ حياة الفتاة الصغيرة ...

في هذه الأثناء كان رجل شرطة يراقب ما حدث

فاتجه الشرطى نحو الرجل

وقال له أنت حقا بطل !

غدا سنقرأ الخبر فى الجريدة تحت عنوان :

رجل شجاع من نيويورك ينقذ حياة فتاة صغيرة من كلب هائج

أجاب الرجل : لكن أنا لست من نيويورك

رد الشرطي : إذا سيكون الخبرعلى النحو التالي

رجل أمريكي شجاع أنقذ حياة فتاة صغيرة من كلب هائج ..

رد الرجل : أنا لست أمريكيا

قال الشرطي مستغربا : من تكون ؟

أجاب الرجل ( وهو سعيد جدا ) : أنا عربي

في اليوم التالي ظهر الخبر في الجريدة على النحو التالي .

"متطرف عربي يقتل كلباً امريكياً بريئاً !!"

jeudi 21 mars 2013

عبرة لمن يعتبر


في يوم من الأيام كان الأستاذ يلقي محاضرة عن التحكم بضغوط وأعباء الحياة لطلابه ولتوضيح الفكرة أكثر
أخذ كأساً من الماء وسأل الطلبة- ما هو في اعتقادكم وزن هذا الكأس من الماء؟
وتراوحت الإجابات بين 50 غم إلى 500 غم
فأجاب المحاضر: لا يهم الوزن المطلق لهذا الكأس، فالوزن هنا يعتمد على المدة التي أظل ممسكاً فيها هذا الكأس فلو رفعته لمدة دقيقة لن يحدث شيء ولو حملته لمدة ساعة فسأشعر بألم في يدي، ولكن لو حملته لمدة يوم فستستدعون سيارة إسعاف. الكأس له نفس الوزن تماماً، ولكن كلما طالت مدة حملي له كلما زاد وزنه
فلو حملنا مشاكلنا وأعباء حياتنا في جميع الأوقات فسيأتي الوقت الذي لن نستطيع فيه المواصلة، فالأعباء سيتزايد ثقلها. فما يجب علينا فعله هو أن نضع الكأس... ونرتاح......



الفيل والحبل

كنت أفكر ذات يوم في حيوان الفيل، وفجأة استوقفتني فكرة حيرتني وهي حقيقة أن هذه المخلوقات الضخمة قد تم تقييدها في حديقة الحيوان بواسطة حبل صغير يلف حول قدم الفيل الأمامية، فليس هناك سلاسل ضخمة ولا أقفاص كان من الملاحظ جداً أن الفيل يستطيع وببساطة أن يتحرر من قيده في أي وقت يشاء لكنه لسبب ما لا يقدم على ذلك
شاهدت مدرب الفيل بالقرب منه وسألته: لم تقف هذه الحيوانات الضخمة مكانها ولا تقوم بأي محاولة للهرب؟ 
حسناً، أجاب المدرب: حينما كانت هذه الحيوانات الضخمة حديثة الولادة وكانت أصغر بكثير مما هي عليه الآن، كنا نستخدم لها نفس حجم القيد الحالي لنربطها به
وكانت هذه القيود -في ذلك العمر– كافية لتقييدها.. وتكبر هذه الحيوانات معتقدة أنها لا تزال غير قادرة على فك القيود والتحرر منها بل تظل على اعتقاد أن الحبل لا يزال يقيدها ولذلك هي لا تحاول أبداً أن تتحرر منه ، كنت مندهشاً جداً. هذه الحيوانات –التي تملك القوة لرفع أوزان هائلة- تستطيع وببساطة أن تتحرر من قيودها، لكنها اعتقدت أنها لم تستطع فعلقت مكانها كحيوان الفيل، الكثير منا أيضاً يمضي في الحياة مكبلا بقناعة مفادها انه لا يستطيع أن  يغير شيئاً . غير أن الواقع يثبت عكس ذلك. فاذا قلت في نفسك يوما, أستطيع أن أغير من حالي, فسوف تستطيــــــــــــع.

الرئيس والوزراء الثلاثة


في يوم من الأيام استدعى الرئيس ثلاثة وزراء من وزرائه وطلب منهم أمرا غريبا.
طلب من كل وزير أن يأخذ كيسا ويذهب إلى بستان القصرالرئاسي وأن يملأ كل وزير كيسه من مختلف طيبات الثمار والزروع كما طلب منهم أن لا يستعينوا بأحد في هذه المهمة و أن لا يسندوها إلى أحد أخر. استغرب الوزراء من طلب الرئيس و أخذ كل واحد منهم كيسه وانطلق إلى البستان فأما الوزير الأول فقد حرص على أن يرضي الرئيس فجمع من كل الثمرات من أفضل وأجود المحصول وكان يتخير الطيب والجيد من الثمار حتى ملأ الكيس أما الوزير الثاني فقد كان مقتنعا بأن الرئيس لا يريد الثمار ولا يحتاجها لنفسه وأنه لن يتفحص الثمار فقام بجمع الثمار بكسل غير مبال  فلم يتحر الطيب من الفاسد حتى ملأ الكيس بالثماركيفما جاءت.
أما الوزير الثالث فلم يعتقد أن الرئيس سوف يهتم بمحتوى الكيس أصلا فملأ الكيس بالحشائش والأعشاب وأوراق الأشجار.
وفي اليوم التالي أمر الرئيس أن يؤتى بالوزراء الثلاثة مع الأكياس التي جمعوها فلما اجتمع الوزراء بالرئيس أمر الجنود بأن يأخذوا الوزراء الثلاثة ويسجنوهم كل على حدا  ومع الكيس الذي معه لمدة ثلاثة أشهر في سجن بعيد لا يمكن لأي كان الوصول اليه, وأن يمنع عنهم الأكل والشرب، فأما الوزير الأول فظل يأكل من طيبات الثمار التي جمعها حتى انقضت الأشهر الثلاثة، وأما الوزير الثاني فقد عاش الشهور الثلاثة في ضيق وقلة حيلة معتمدا على ما صلح فقط من الثمار التي جمعها ، أما الوزير الثالث فقد هلك جوعا قبل أن ينقضي الشهر الأول
فاسأل نفسك من أي صنف أنت أيها العبد. 

lundi 18 mars 2013


عمي دحمان رجل في الستين من العمر. تقاعد بعد أن قضى العمر حارسا بالبلدية , راتبه لا يفي للحاجيات اليومية للأسرة المتكونة من خمسة أفراد كلهم في عداد البطالين. فكان لزاما عليه أن يتدبر الأمر حيث وجد وبعد جهد جهيد واتصالات بالأقارب والأصحاب والمعارف  شغلا كحارس بالليل. ولكن هذه المرة بمقاولة للبناء. وليساير تكاليف الحياة اضطر لأن يقوم هو دون غيره من أبنائه بالذهاب مرة في الأسبوع الى سوق المدينة حيث الخضر والبقول بأثمان أرخص من محلات ودكاكين الحي. كان دائما يقتنص السلع الأقل غلاء بالسوق ولو لقلة جودتها. المهم كما كان يقول أن تمتلئ البطون ,والسلام.
ذات يوم وبينما هو يقترب من مدخل السوق اذ به يسمع أحد الباعة يصيح مادحا بضاعته وبسعر زهيد كما كان يردد . وقع عمي دحمان في الاغراء فدنا من الخضار الذي أحاط به المتسوقون من كل جهة,كل يريد أن يحصل على "الغنيمة" قبل نفاذها.
- اعطني 2 كلغ من هذا الصندوق من فضلك. قال عمي دحمان . مشيرا يأصبعه . نظر الخضار الى دحمان نظرة كلها غضب و استياء ثم قال- ذاك التفاح  ليس للبيع. خذ مما أخذ الناس أو انصرف ودعني أبيع بضاعتي كما يحلو لي ..  وبينما كان العم يهم بالانصراف تفاجأ بتغير في لهجة البائع, نظر خلفه فرأى رجلا يبدو من خلال هندامه وملبسه أنه موظف بادارة حكومية. فدفعه الفضول لمعرفة سبب البشاشة التي بدت فجأة على الخضار. رأى عمي دحمان والحسرة تعصر قلبه البائع يفتح صندوق التفاح الذي منع هو منه وشاهد كيف أن " الموظف" اختار بنفسه التفاح فما كان على الخضارفي أخرالأمر  سوى أن وضع السلعة في كيس بل ودعمه بكيس آخر. هم الرجل  باخراج النقود من جيبه, فاعترض البائع وأقسم أن لا يأخذ منه ولو فلسا واحدا. بعد ما ذهب الرجل عاد عمي دحمان الى البائع بغية لومه على الأسلوب الذي تعامل به معه ولطريقة التعامل مع الزبائن بتفضيل هذا عن ذاك. فما كان على الخضار الا الرد وبابتسامة عريضة قائلا – ألا تعرف من يكون ذلك السيد يا شيخ؟  انه مراقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــب الأسعـــــــــــــــــار. 

mardi 12 mars 2013


قصد أحمد في اليوم الموالي المحكمة حاملا معه حزمة من الوثائق. استفسر في شباك الاستعلامات فدل على المكتب المرغوب فيه . انتظر الى أن حان دوره فدخل حيث يجلس خلف المكتب رجل وضعت على مكتبه لافتة عليها اسمه ووظيفته وبعد س و ج خرج أحمد "مكسور الجناحين". قيل له عليك باحضار كذا وكذا من الأوراق واحضار شاهدين تذهب بهما لدى مجموعة الدرك التابعة للمنطقة الجغرافية التي ينتسب اليها . وهناك يدلي الشاهدين بأنهما يعرفان والد أحمد تمام المعرفة وان اسمه" الميلود" وليس " ميلود.". يقوم بعدها بضم الوثيقة الى الحزمة الورقية التي يتأبطها ثم يحرر طلبا خطيا يطلب فيه تصحيح الخطأ. طاف أحمد أياما وأسابيع يجوب المكاتب الادارية . ولما انتهى من جمع كل الوثائق وانتظر صدور الحكم بعد ما يقارب السنة, توجه فرحا الى مكتب التوظيف فأخبر أن الموعد انتهى أجله وعليه الانتظار الى غاية الحصول على مناصب مالية في العام القادم. اغتاظ أحمد غيظا شديدا. تفوه بعبارات السب والشتم . فهدده المدير بالشرطة ان هو لم يصمت على الفور. خرج أحمد المسكبن فرمى الأوراق تتلاعب بها الريح ثم عاد فجمعها وأخرج ولاعة من جيبه أحرق بها الأوراق على مرأى من المارة المبهورين من الشعلة المنبعثة من الورق ومن عيني أحمد أيضا. بعد أيام وصل الخبر الى عائلة أحمد. لقد وجد غريقا في البحر الأبيض المتوسط . كان يحاول" الهروب "من بلده . انه كان "حراقا". لولم يمت لعوقب بتهمة "الحرقة". قال المعلقون على الحادثة ماكان عليه أن "يفعلها"فالجزائر واسعة تتسع لكل الجزائريين. مات أحمد وعاش ....      الأخطبوط البيروقراطي ليواصل" المسيرة المظفرة".

mardi 5 mars 2013

خــــــــــــــــــا طـــــــــــــــرة


استيقظ أحمد على غير عادته باكرا هذا الصباح, وبعد أن تناول فطوره أخذ الدفتر العائلي وانطلق صوب البلدية وبالضبط نحومكتب الحالة المدنية. نظر الى ساعته ليطمئن عن موعد فتح الشبابيك. أمامه متسع من الوقت, لكنه تذكرفجأة أن الحصول على وثيقة من الادارة هذه الأيام تتطلب أن تكون من بين الأوائل عندما يفتح باب البلدبة, والا انتظرت اليوم كله . لما وصل وجد نفسه في مؤخرة طابور طويل من المواطنين المصطفين أمام الباب الخارجي للبلدية. فما كان عليه الا الوقوف في الصف ككل الناس.
تواصل تدفق المواطنين والباب لا يزال مغلقا. نظر الى ساعته مرة أخرى مستعجلا انجاز ما جاء من أجله. لكنها الادارة والادارة لها قوانين يجب احترامها. لست هنا في السوق أو بمقهى تطلب ما تشاء ومتى تشاء.
أخيرا, فتح الباب الحديدي,فاندفع الناس في سباق للوصول نحو الباب الزجاجي ليكونوا مرة أخرى طابورا لا مكان فيه الا للأقوى.
وبعد دقائق معدودات ارتفعت خلالها أصوات منددة وأخرى مهددة حضر الحاجب فصاح في الحاضرين بوجوب الأنتظام والصمت والا تركهم و ينتظرون مدة أطول. سمعا وطاعة هلل البعض, متمنيا أن يفتح الباب أخيرأ.
أما الحاجب فقد أخرج هاتفه وراح يتكلم مبتسما تارة وضاحكا طورا آخر. فيبتسم الناس لابتسامته. وسرعان ما يغتاظ فينكمش الحاضرون في صمت رهيب. أغلق الحاجب نقاله واستدار نحو رجل كان يقف خلفه فعانقه ثم تبادل الرجلان أطراف الحديث وما لبث الرجل أن أخرج دفترا عائليا سلمه للحاجب ثم انصرف. عد بعد ساعة. لا تقلق. أنا هنا. قال الحاجب مودعا "صديقه"
أخيرا دخل المواطنون بهو قاعة فسيحة فتسارعوا نحو الشبابيك حيث وضع كل  واحد وثيقة ما أمام الشباك الخاص بالوثيقة المرغوب استخراجها. لاحظ أحمد أن الموظفين لم يأتوا بعد فاستغل الفرصة ليتجاذب أطراف الحديث مع شيخ هرم بجانبه.قال الشيخ, هل تعلم يا ولدي أنني حضرت من أقصى الولاية للحصول على الوثيقة التي أريد اليوم استخراجها. وعلي أن أعود قبل منتصف النهار والا فاتني موعد انطلاق الحافلة. لا تخف ياعمي . رد أحمد سترحل في الموعد. كل شيء الآن مسجل بتلك العلبة التي تراها من وراء الشباك.يضغط الموظف عل الزرفتظهر وثيقتك في لمح البصر. انه التطور التكنولوجي . فتنهد الشيخ وقال. كنا في الماضي...
وهنا قاطعهما الموظف من وراء الشباك. - لمن هذا الدفتر؟ قال الشيخ- هو لي. ماذا تريد؟ سأل الموظف. - أريد شهادة ميلادي.
أجاب العجوز. فقال الموظف- يا حسرتاه أنت مولود في القرن الماضي. وعام ميلادك غير محدد. بل تقريبي. عليك الذهاب الى مقر الدائرة ليسلموك هناك وثيقة تثبت سنة ميلادك فتأتي بها الينا. ودون أن ينتظر استفسارا من الشيخ سأل مخاطبا أحمد. ماذا تريد؟ -شهادة ميلادي من فضلك. تمعن الموظف الدفتر ليعود فيسأل أحمد ثانية- أبوك اسمه ميلود أم الميلود؟ قال أحمد وقد راوده الشك في أن الموظف  يبحث عن ذريعة ما  ليدفع به الى الخارج كما فعل مع الشيخ فقال-كما في الدفتر. انظر جيدا وسترى. فقال الموظف- اذا قرأت الاسم بالعربية فهو الميلود. أما في الأسفل فقد كتب بالحروف اللاتينية  "ميلود". ولذا فلا يمكنك الحصول على الشهادة الا بعد أن تصحح الخطأ. قال أحمد وأين يكون ذلك يا أخي؟ قال الموظف- عليك برفع دعوة قضائية لدى محكمة الاختصاص و تطلب تصحيح اسم والدك. لم يجد أحمد ما يقول, فأخذ الدفتر وخرج من الباب الذي خرج منه الشيخ منذ لحظات. وهويمني نفسه بالعودة غدا أو بعد غد لاستكمال ملف التوظيف الذي لم يبق  من الوقت لايداعه سوى أياما معدودة.  (والبقية تأتي) .../...



lundi 4 mars 2013


لما عاد عمار من الحقل، أخبرته مريم بماجرى وبما دار بينها وبين كمال، فاقترب من ابنه ثم دقق النظر فيه ليقول- أنت الآن رجل، رجل يدرك تمام الادراك مايجب فعله وما لا يجب فعله، ويعي جيدا ما ينفعه وما يضره. لن أمانع. وكل ما أرجوه أن تكون في مستوى ما يتمناه كل أب لابنه. قد لا نلتقي مجددا بعد هذه الليلة، فتذكر دائما أن لك أهل، هم أقرباؤك مهما بعدت المسافة وتذكرأنه  ليست لك أرض غير وطنك. ان ما تسمع عن العيش الرغيد هناك بفرنسا قد يكون مجرد كلام عذب. أضاف عمار.
- انهم بحاجة الى اليد العاملة. وسوف يكون همي الوحيد هناك هو العمل من أجل الرقي بكما الى أفضل معيشة، ان شاء الله.
شعلة قنديل الزيت ترتجف، معلنة للجميع عن نفاذ ما بالوعاء من سائل. لكن ذلك لم يمنع مريم من المكوث قرب ابنها . أحست كأن ينابيع الحزن كلها اجتمعت في ذاتها.
بعد أيام قضاها في جمع الوثائق والتحضير للسفر، رحل كمال ذات صباح مودعا الأهل والجيران . كانت مريم تعرف أن أمام ابنها طريق شاق طويل، فلم تضف وهو يقبلها الا عبارات التمني له بالتوفيق . 
كم سنة مرت اليوم منذ رحيله. ربما أكثر من عشر سنوات.ورغم ذلك فصورة فراقه لم تغادر مريم ولو يوما واحدا.
- لماذا لا تفكرين سوى في أيام المحن، وتنسين ما مر بنا من مسرات؟ سأل عمار ذات يوم زوجته. مضيفا - انظري الى حقلنا، كم هو جميل ، يكسوه الاخضرار، الحب يوشك أن يينع، سوف نحصل على منتوج وفير هذا العام.أقنع عمار مريم بعد جهد بالخروج حيث جلس الاثنان تحت الكرمة فأجالا بصرهما في الحقول الممتدة، المكسوة بسنابل القمح المتوجة برخاوة واسترخاء، المطيعة لأبسط همسة من همسات النسيم الهادئ.أشار عمار الى بعض السنابل- انظري كم هي عامرة بالحب. تذوقي طعم حبات هذه السنبلة مثلا. كم هو لذيذ طعمها. انه طعم الحياة التي تحمله داخل كيانها الينا. هكذا تحول عمار الى رومانسي دون أن يدري وهكذا حاول أن يـنـسـي زوجته بعضا من همومها.../...


مرة أخرى يجد عمار نفسه وحيدا مرغما أكثرمن أي وقت مضى على الكد والجد من أجل اعالة أسرته التي بدأت تفقد شيئا فشيئا
نمط الحياة السهلة التي عاشتها أيام كان كمال يشتغل بالطاحونة. لحسن الحظ أن موسم الحصاد على الأبواب.
أما كمال ، فاعتاد منذ أن غادر المنشأة  على التردد على المدينة يروح ويجئ دون أدنى تفسيـــر.
ذات صباح، بينما كانت مريم منهمكة في نشر الغسيل، اذا بها تبصر ابن سلمى الأصغر يخترق الحقل جريا كأن خلفه كلاب جائعة  تريد أن تمزق جسده النحيف شبه العاري، ما ان اقترب من مريم حتى بادرته بالسؤال.- مابك ياولد؟
- ان العساكر بالقرية يجندون الشباب في صفوف الجيش الفرنسي. يسيرون بالأزقة ،يدقون الطبول وينادون - أيها الشباب البالغ سن 18 سنة، هبوا الى صفوف القوات العسكرية. تنالون مرتبا شهريا وحياة مشوقة، لا تتأخروا .
رمت مريم النشير على الأرض وأمسكت بيد الصبي تسأله- وكمال؟ هل رأيت كمال؟
- لا لم أره.
أخفت مريم وجهها بين يديها كأنها تريد الافلات من الحاضر.أحست بدوارينتابها، فأسندت ظهرها الى جذع الشجرة.
لم يهدأ لمريم بال ولم تذق طعام العشاء الا بعد أن ملأ ابنها صدرالبيت فأخبرته  بما سمعت فأكد له الخبر.
واغتنم كمال فرصة الحديث مع أمه ليخبرها أنه ينـــوي السفـــر الى فرنسا للعمل هناك. فاغتاضت مريم وأمام الحاح ولدها غيرت أسلوب الاقناع بالتخويف من الغربة والاحساس بالوحدة، ومرارة البعد عن الأهل والأقارب.
- انها فرصتي، ولن أضيعها . الأجور هناك مرتفعة وهذا ما يساعدنا على تحسين معيشتنا .ما جدوى بقائي هنا؟ قال كمال.
- لكنك غير مؤهل، ربما، للأشتغال بمعامل متطورة كتلك التي موجودة بفرنسا.ولا تحسن التحد بالفرنسية .قالت مريم، محذرة.
- سوف يلقنونــنا أصول الشغل. هذا ما علمته من بعض العائدين من هناك. عادوا لرؤية ذويهم محملين بالحقائب والمال. وسوف أجتهد لأكون مثلهم، وسوف أعود يا أمي ومعي لك هدايا كثيرة. صدقيني.
وسكتـت مريم مكتفية بتحريك رأسها، مبتسمة.

بعد ترقب على أحر من الجمردام أياما, استدعى المعمر"مرسيل" العمال العرب  لاعلامهم بقرار طردهم اذا هم لم يستأنفوا العمل في أجل أقصاه يوم واحد. وكان من أساليب التخويف اعتبار كل متأخر خارجا عن القانون وعليه سوف يلاحق من طرف السلطات العسكرية بتهمة التشويش والتحريض على العصيان. وأمام هذا التهديد المباشر لم يستطع العمال الصمود فدارت دواليب وآلات الطاحونة من جديد. من يغامر بمصيره ومصير أسرته, والطاحونة من سبل الرزق القليلة بالجهة.
- متى يدرك الناس أن هناك شيئا أثمن من لقمة العيش, ومتى يتفهمون الوضع الذي نحياه. صرنا غرباء على أرضنا. وصاروا هم أصحاب الأرض.
فنظرت اليه أمه نظرة حادة وصرخت في وجهه - اسكت لا تقل هذا, أتريد أن يدخلوك السجن؟ 
- السجن أرحم من حياة كلها ذل واهانة. رد كمال.
- أطفئوا الشمعة ودعونا ننام. صاح عمار .
- كفى ثرثرة فان للجدران آذان. أضافت مريم , واضعة السبابة على فمها.
فسكت الجميع. ثم تسلل الواحد تلو الآخر الى فراشه.
استلقت مريم على الحصير, وقد تاهت بها مخيلتها في تســـاؤلات لا نهاية لهــــا.
قالت تحدث نفسها - لم أرهق النفس في البحث عن أجوبة لا يقتـنـع بها أحد في نهاية الأمر.
- ألم يقل عنى كمال أن لا أفقه في مثل تلك الأمور شيئا.
هــــذا ما وجدت مريم نفسها تردد قبل أن يحملها النـــوم الى عالم آخــــــــــــــــــــــــر.

مرة في الشهر يتوقف العمل بالطاحونة لصيانة العتاد، فيغتنم كمال الفرصة،ويساعد أباه في تحريك التربة وفي سقي المزروعات المختلفة . هذا التصرف أعجب عمار كثيرا وأعاد اليه الأمل في رؤية ابنه،ذات يوم، وهويحذو حذوه يخدم الأرض ويفلحها على سيرة الآباء والأجداد. وهكذا كلما التقيا في الحقل حول نشاط فلاحي ما الا واغتنم عمار الفرصة ليشرح لأبنه كيفية الغرس والزرع والعناية بالأشجاروالسقي وتنقية التربة وغيرها من الاهتمامات الزراعية. مع مرور الشهور ارتفع مرتب كمال وبما أنه لم يكن من المدخنين ولا من المترددين على المقاهي ولعب الورق, فانه لم يكن يحتفظ لنفسه الا بالقليل ويسلم باقي المبلغ لوالدته فتحتفظ به في درج خزانتها الخشبية التي ورثتها عن والديها
في احدى الأمسيات تأخر كمال عن موعد عودته على غير عادته فأثار ذلك قلق والديه. بعد طول انتظار قرر عمار تقصي الخبر، فخرج في ظلمة الليل وفي الطريق التقى بزوج سعدية ليخبره أن ابنه أيضا لم يعد الى حد الساعة.
فاتفقا على الذهاب الى الطاحونة لمعرفة أسباب تأخر ولديهما. ولم يعودا الا مع بزوغ شمس اليوم الموالي. رجع عمار ليطمئن زوجته التي قضت الليلة على أحر من الجمر تطوف أرجاء البيت الضيق في غدو ورواح دون ملل ولا كلل. قال عمار- انه بخير والحمد لله، سيعود هذا المساء.
أرادت مريم أن تعرف المزيد- ولماذا لم يأت معك؟
قال عمار- ان عمال الطاحونة أضربوا عن العمل وهم معتصمون بها الى غاية استجابة المعمر"مرسيل" لمطالبهم.
- لا أفهم ما تقول، يارجل، اوضح من فضلك.قالت مريم في استغراب .
- قلت ان العمال العرب توقفوا عن العمل ويطالبون بمساواتهم بالعمال الأوروبيين في المعاملة وفي الرواتب. أوضح عمار.
في المساء عاد كمال فوجد أمه في انتظاره بالباب لتبادره بوابل من اللوم. فما كان منه الا أن ابتسم لها ثم شرع في الشرح لما يحدث علما منه أنها لن تتركه يرتاح قبل أن تعلم منه حقيقة ماجرى.
عندما انتهى، قالت- كيف يحق لكم أن ترغموا صاحب الطاحونة على الرفع من أجوركم وأنتم تعلمون أنه السيد
"مرسيل" المعمر الذي تقف السلطةلبنا. هكذا اتفق العمال العرب. ختم كمال كلامه.
- فقالت مريم-  سنرى لمن تكون الغلبالفرنسية الى جانبه . سوف يطردكم ويستخلفكم بآخرين، بل وينتقم منكم شر انتقام.السلطة والقانون بيده.أما أنتم فماذا تملكون؟  
- لا لن نعود حتى تـتـم الاستجابة لمطلبنا. 
مضى أسبوع، الكل فيه يترقب. البعض كان خائفا من رد فعل السلطة.لكن ما العمل؟ . يجب الحفاظ على وحدة الكلمة والصف، مهما كلف ذلك من تضحيات .

dimanche 3 mars 2013


استغلت مريم فرصة غياب زوجها عمار عن القرية فلبست الفستان الجديد الذي اشترته مؤخرا من المال الذي ادخرته من الأجر الشهري لأبنها كمال وقصدت عيادة الحكيم "آكلي" . كانت تعلم أن عمار لا يحبذ أن يكشف رجل ولو كان في مرتبة طبيب على زوجته أو ابنته. فتحنت الفرصة وأخذت معها ابنتها فاطمة . على الرغم من وصول المرأتين مبكرا الى العيادة فانهما وجدتا قبلها كثيرا من المرضى في الانتظار. جاؤا يشكون آلامهم الى الطبيب الوحيد بالمنطقة. - لا أعدك بشئ ولكني سوف أعمل ما بوسعي فعله لأعادة البسمة لابنتك الجميلة. هكذا كانت خلاصة قول الحكيم بعد أن فحص فاطمة فحصا دقيقا ونصحها بتناول الدواء الموصوف.استبشرت فاطمة وأمها خيرا بكلام الطبيب وتعهدتا له باتباع النصائح المسداة الى غاية اكمال العلاج. بعد أشهر من المداومة والمداواة جاءت البشرى. - أظن أنني حامل.قالت فاطمة في استحياء لأمها,فسألتها أمها أسئلة تأكدت من خلالها أن ابنتها فعلا قد حملت. وكم كانت فرحة الأسرة عظيمة لما علم الجميع بالخبر السار.لما عاد زوجها  في المساء من المدينة أخبرته فاطمة بالنبأ, فما استطاع النوم من شدة الفرح.ورا ح يمني نفسه بأن يرزقه الله ولدا صالحا. أما مريم فقط أعدت عشاء يليق بالمناسبة وأرسلت بالخبر الى جاراتها مصحوبا بصحون من الكسكس ولحم الدجاج.
بعد أيام أخبر زوج فاطمة والديه بما جد فأقبلا على جناح السرعة محملين بمختلف الهدايا. عمت الفرحة البيت الصغير المزدحم بالحاضرين وانتابت عمار ومريم فرحة كبيرة باستضافة صهريهما وبعودة "المياه الى مجاريها".

samedi 2 mars 2013


لم تـتـفـوه " فاطمة" على امتداد الحوار بين أبويها وزوجها بكلمة بل بقيت مطأطئة رأسها تضمه بين يديها .ولما خرج الرجلان حركت شفتيها كأنها تريد أن تقول شيئا لكن الكلمات أبـت أن تخرج. غير أن ملامح وجهها الجميل كانت توحي في الأخير بأن المرأة اقتنعت بما سمعت.
اقتربت مريم من ابنتها, حاولت ضمها الى صدرها كما كانت تعاملها في الصغر لكن "فاطمة" تنحت الى الوراء قليلا لتقول أخيرا
- دعيني ياأمي أن ما كنت أخشاه حدث. والواقع الآن أسهل مما كنت أتصور. لا داعي الآن للكذب على الناس والتهرب من الحقيقة 
أو الاختفاء وراء الأوهام.
قالت مريم- وما ذنب ابنتي ان هذه الأمور بيد الله .
قالت فاطمة- أنت أمي ولكن الآخرين. ماذا سيقولون عني؟. أنني عاقر لاأصلح الا للطبخ والغسيل. أنني خادمة وكفى.
ان مريم تعلم مدى تأثر ابنتها فلقد عايشت محنة اليأس قبل أن يرزقها الله ب"كمال".خيبة الأمل, الخوف من المستقبل, نظرات الناس.
قالت مريم- دعي عنك وساويس الشيطان وتعالي نحضر العشاء قبل عودة الرجــــــــال.
عمر كمال الآن عشرون سنة وهويتمتع على عكس والده بصحة جيدة وقامة طويلة. أهم شيء تعلمه كمال في صغره هو حفظه لجزء يسير من القرآن الكريم وتدربه على الكتابة والقراءة . ولو تعسف مدير المدرسة الوحيدة بالقرية وطرده لكمال ولكثير من أترابه من الجزائريين لحصل الطفل على شهادة التعليم الابتدائي التي تمكنه من الانتقال اللدراسة بالمدينة.
كانت مريم راضية بسلوك ابنها ولطالما رأت فيه صفات من والدها أيام كان في عز صحته.على عكس عمار الذي لم يكن ليقبل أن يختار ولده الوحيد مهنة غير خدمة الأرض.
- أنت شاب سوي ولست من طينة أولئك الذين يقضون اليوم في شحن وتفريغ العربات على ظهورهم. تقول مريم محاولة اقناع ولدها بالعدول عن رأيه.
-لا يهمني نوع العمل مادام يدر علي المال الذي يقينا جميعا شر الجوع. يرد كمال مطمئنا والدته.
لقد صدق كمال. فانتاج هذا العام من الحبوب كان ضعيفا وأسعار المواد الغذائية ما فتئت ترتفع ولولا مساهمة كمال لأصاب العائلة ما أصاب أسرا كثيرة تضررت بفعل الفياضات تارة والجفاف طورا آخر.


بينما كانت مريم منهمكة في سحق الفلفل الأحمر رفعت رأسها فاذا بفارس يطل من خلف الأشجار وخلفه امرأة خيل لمريم أنها تعرفها. انها "فاطمة" قالت ذلك ثم اندفعت صوب الفرس . - يامرحبا، يامرحبا . أمي ، أمي... صاحت فاطمة.
فردت عنها مريم والفرح يغمرها- ابنتي العزيزة . يالفرحتي .
وما أن نزلت البنت حتى ارتمت بين أحضان والدتها والدموع تنهمر على خديها الحمراوين.
- هيا ندخل. سأخبر والدك في الحين. انه قريب من هنا.
وامتثل الضيفان لدعوة مريم فدخلت فاطمة وتبعها زوجها ولكن في تثاقل واضح. لاحظت مريم ذلك فسألت ابنتها- ما به هل هو مريض؟
فانفجرت "فاطمة" حينها بالبكاء . فما زاد ذلك مريم الا حيرة واستغرابا. فوجهت السؤال هذه المرة لصهرها. فتلعثم لسانه ولم يرد. 
دخل عمار فحيى ضيفه وعانق ابنته ثم تبادل الرجلان أطراف الحديث حول مواضيع شتى ثم عم البيت صمت رهيب قبل أن يبادر الصهر بالكلام.- لقد انتظرت ياعمي عمار سنوات قبل أن أتخذ القرار النهائي، فلقد عرضت ابنتكم "فاطمة" على عدد من الأطباء فأثبتوا لي أنها غير قادرة على الانجـــاب. وانتم تعرفون تقاليد المنطقة وعادات الناس. ان والدي طلب مني أن أطلق "فاطمة" فرفضت وتركت ورائي كل ما أملك بدل  أن أفرط في زوجتي. فاعتبروني من الآن فصاعدا ضيفا الى أن أدبر الأمر وأستقر بالقرب منكم. لآعمار ولا مريم استطاعا أن يعلق على ما سمعا.كانت وقع الصدمة رهيبا. لم يكنا يتوقعا أمرا كهذا.طأطأت مريم رأسها ووضعت يدها على جبينها كأنها تبحث عن جواب ثم قالت- ما عسانا نفعل وكل شيء بيد الله . لا تحزنا. ولا تقنطا من رحمة الله.
- أنتما منا ونحن منكما.لكن ليس من حقنا التفريق بين الأب وابنه. - ولا نريد أن يقال عنا ذلك .أردف عمار. المهم الآن أنكما بين أحضان آمنة وسيجعل الله في القريب مخرجا .
- قد تكون "فاطمة" مثلي، فلقد عانيت كثيرا قبل أن يرزقني الله بولدي"كمال"،هل تتذكرذلك ياعمار؟
فحرك عمار رأسه ثم قال- علي أن أقبض على ذلك الديك الماكر لأنحره. ونحتفل الليلة بمقدم ضيفينا . فاكرام الضيف واجب.

vendredi 1 mars 2013


فتحت طاحـونـة المعمر "  مرسيل "أبوابها فالتحق للعمل بها نفر من شباب القرية من بينهم "كمال" وابن سلمى البكر . 
- أرأيت؟ قالت سلمى مخاطبة جارتها مريم-ان الطاحونة نعمة علينا, فلقد تحسن وضعنا المعيشي بفضلها وقريتنا ما فتئـت تتـوسع بفضل العمران المتزايد ونزوح سكان القرى المجاورة وأهل الريف. - ألازلت متمسكة برأيك فيما يخص الطاحونة؟
- بكل تأكـيـد. أجابت مريم. وأعيد فأكرر أن التطور الحالي سيقضي على السكون والهدوء اللذين كنا نحياهما . سوف يعم الزحام والضوضاء . سوف تنتشـر الأوساخ في كل مكان. سوف تسوء أخلاق الناس فلا جـار يراعي حال جاره والكل يلهـث وراء جمع المال.
- كل هذه مجرد تـنـبـؤات خاطئة . ردت سلمى ضاحكة.- ولا أرى غرابة في أن يوصفنا  بعد اليوم أهل الحضر بالقرويات المتـحـجـرات, لحسن حظي أنني لست ولن أكون كذلك مطلقا. عندئذ صاحت مريم غاضبة ـ لو كنت مثلنا لأفضل, فيكون حسك ووعـيـك بالخطر الذي يحدق بنا أكبر وأنجع. لم تضف سلمى شيئا بل اكتفت بتحريك كتفيها ثم انصرفـــت.
بقيت مريم بالباب واقفة تتأمل تمايل سنابل القمح وهي تقول في نفسها- ترى هل تصمد هذه النباتات طويلا أمام زحف العمران المتنامي؟
لم تمض سوى أيام  واذا بخديجة تطرق باب مريم . جلست المرأتان تتبادلان أطراف الحديث فقالت خديجة  وفي صوتها مزيج من الغيظ والمرارة.- أصبح الدكان لا يدر علينا الا بالقليل بعد أن تضاعف عدد المحلات بالقرية وزوجي لم يستطع منافسة التجار الأثرياء الذين حطوا الرحال مؤخرا ووفروا كل السلع وبأسعار تنافسية. ولذا قرر زوجي اغلاق المحل والرحيل الى المدينة بحثا عن عمل يقينا شر الجوع.
أياما بعد ذلك نفذ زوج خديجة وعده, فأغلق المتجر الصغير. فما سأله أحد ماذا ستفعل الآن؟
ثم ما لبث أت باع بيته فما سأله جار أوقريب ..أين سترحل؟
مرت الشهور وبقيت مريم وجارتاها سعدية و سلمى تستعدن من حين الى حين ذكر مآثر خديجة, ثم ما لبث تيار الحياة اليومية أن جذبهن اليه الى درجة جعلتهن لا تستذكرن جارتهن فحسب بل تنسين  حتىأنفسهن .
كبقعة زيت, كتيـــار جارف, امتدت الطاحونة في توسعها لتبتلع جزءا من الحقول, وشيدت من حولها البنايات فتقلصت مساحات الأراضي الزراعية بسرعة مذهلة.لاأحد من القرويين استنكر أو تأسف ماعدا مريم. الكل يلهث خلف التمدن ويدير ظهره للأرض التي كانت بالأمس القريب مصدر رزقه وملجا له من البؤس والجوع والتشرد
داخل طاحونة"مرسيل"انه العمل المضني المتواصل ليلا ونهارا.المهم بالنسبة للمعمر هوالربح ولو على أشلاء أبناء هذه الأرض

في الصباح كان كل شئ قد هدأ وكل شئ قد ذهب أدراج الرياح. المساحات التي كانت بالأمس حقولا وبساتين أصبحت مجرد برك تطفو على مياهها أوراق الشجـر والنباتات . بعض السكان نجا من الكارثة لكن دون مأوى. هلك من المواشي الكثير . تهدم بيت سعدية, رمت الرياح بالسقف الى الأرض وانهارت الجدران. أصيب زوجه بجروح وهو يحاول انقاذ ما يمكن تنقاذه من أغطية وملابس .
- حمدا لله أننا بخير. كانت ترد سعدية على كل من يحاول مواساتها في محنتها.
قالت مريم بعد أن تفقدت الوضع من الداخل والخارج - علينا أن نصلح ما نستطيع اصلاحه فلعل العاصفة تعود الليلة. ثم لا تنس أننا فقدنا كل المأونة بما فيها الدقيق الذي كنت أخزنه. 
- من أين لنا بالدقيق وأنت ترين بأم عينيك المسالك المقطوعة. ثم أني لا أظن أن طاحونة "الحاج رابح" قد نجت من الكارثة .
ودون انتظـــار, ركب عمار حماره واتجه نحـو القريـة ليعـود بعد ساعات فارغ اليدين. طفت بجميع المخازن دون أن أعثر عن طحين أو قمح.
-  من أين تريدني أن أجيئكم بالقمح اذا كنتم أنتم معشر الفلاحين لا تملكون منه شيئا؟ . قال الحاج رابح مخاطبا عمار. ةهذا ما نقله عمار الى زوجته عندما ألحت في طلبها.
- والحل؟ سألت مريم.
لا تقلقي سأتدبـــر الأمر. رد عمار مهدئا كعادته. علمت من أحد هناك أن تاجرا باحدى القرى الجبلية بحوزته بعض القمح.لكن سعره غالي . سأتنقل غدا اذا تيسرذلك لشراء ولو قليل منه في انتظار أن يفرج الله عنا كربتنا .
ورجع عمار في الغد من سفره محملا بكيس من الدقيق دفع ضعف ثمنه للحصول عليه. لكن المهم كما كان يقول في نفسه ا، لا نموت جوعا. عاد "كمال" في اليوم الموالي محملا بدوره ببعض المأونة التي حصل عنها من القرى التي مر بها في طريق عودته   الى البيت الأبوي, فشعرت مريم وهي تتمعن النظر في زوجها وابنها أن وزرا كبيرا قد أزيح من على كاهلها. فللأسرة الآن ما يكفيها من الطعام وسوف تجتهد كعادتها في زرع البقول والخضر لسد الحاجة ولو قليلا . من حق مريم أن تحلم وان يأخذها النعاس فتنـــام نوما عميقا, هادئا, لم تعرف مثله منذ زمن.../...