mardi 30 avril 2013


   ومرت الأيام  ونفذ احتياط الأسـرة من الدقيق ولم يبق من مدخرات المال سوى رصيد قليل من النقود. وضاقت الدنيا بما وسعت في عيون الناس المغلوبين.
قال عمار في صوت مختنق – لم يبق الا بيع البغلين.فلا داعي للأحتفاظ بهما مادمنا لا نحتاج الى خدمتهما.انهما لا يزيداننا الا عبئا في اعلافهما.
وقالت مريم مدعمة رأيه – خذ فستاني أيضا. انه لا يزال في حالة جيدة.
وناولته الفستان الأحمر الذي اشترته من أجرة كمال حين كان عاملا بالطاحونة .
وتذكر عمار في تلك اللحظة ابنه كمال فصاح مغتاظا - كيف له أن يتركنا على هذه الحال وهو هناك ينعم بما لذ وطاب؟
كل أبناء القرية المهاجرين يبعثون لذويهم مبالغ من المال الا ابنك كمال..
-                                 -  المهم أن يكون بخير فأنا قلقة عليه. مرت سنوات ولم يصلنا منه خبر .
-                                 - أنت دائما هكذا تدافعين عنه. أضاف عمار. ثم أعاد لها الفستان وخرج  في غيظ شديد.
واستمر هاجس الجوع يخيم على المنطقة وواصل السكان مجابهته بما أوتوا من قوة واضطر البعض الى المغادرة نحو المدن القريبة هربا من تقلبات الدهر وقساوة الطبيعة. فمنهم من امتهن التسول وسيلة للرزق ومنهم من راح يبحث في القمامة عن شيء قد يصلح يبعه .
قال عمار ذات ليلة وهو يمد ظهر جسده النحيف الى حائط البيت
-                                 -لابد من فعل شيء. علي أن أبحث عن شغل . سأطلب من أحد المعمرين أن يشغلني راعيا لمواشيه.
-                                 فردت مريم – كيف يمكن لرجل في مثل سنك أن يفوز بعمل وأنت ترى الشباب يجوبون القرى والمدن بحثا عن عمل دون جدوى.
-                                 فصاح عمار في وجه زوجته – وهل من حل آخر؟ هل تظنيـنـني أعمى؟ أم مغفلا؟
كانت مريم تعلم أن هذا اللوم ليس موجها لها بالذات بقدر ما هو موجه الى ذلك الحل الصعب الذي أرغمت الأسرة على اختياره مكرهة. ولم تتمالك نفسها كعادتها ولم تتحكم في دموعها المنهالة على خدي وجهها الشاحب. قالت وهي تمسح عينيها المحمرتين
-حاول البحث عن شغل يليق بقدراتك كحارس مثلا باحدى المزارع التابعة للفرنسـيـين.
- حسنا. حسنا . سأفعل. المهم أن تكفي عن النواح.اني لم أعد أطيق رؤِيتك كل يوم هكذا. أضاف عمار.
مسحت مريم دموعها في صمت. كانت تدرك أن زوجها قلق أكثر منها ولذلك فهو لا يعي ما يقول. وتاهت بها مخيلتها بعيدا. استحضرت الماضي بأفراحه وأقراحه.استفسرت المستقبل وما يحمله من مفــاجـــآت.
ونامـت تلك الليلة نوما مضطربا. رأت في المنام ابنها كمال يلوح لها بيديه  ويحاول الاقتراب منها لكن الريح تدفع به الى الوراء.
رأت ابنتها فاطمة تغسل ثوبا أبيض ناصعا ثم ترمي به الى الأرض. رأت أشياء كثيرة يصعب تذكرها في اليقظة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire