رجلٌ فقير، يعولُ أسرةً كبيرةً .. كثرَتْ نفقاتُ أسرتهِ.. وقلَّ العملُ في قريتهِ، فعزمَ على السفرِ، بحثاُ عن الرزقِ
ودَّعَ زوجته وأولاده، ومضى ينتقلُ من بلدٍ إلى آخر
وصلَ إلى مدينةٍ جميع سكانها بلهاء.. وجدَهم ينقلون صخوراً، وعلى رأسهم رجلٌ مهيبٌ، يشجّعهم على العمل، ويحثَّهم على السرعة
وقفَ عندهم، وسأل أحدّهم
- منْ هذا الرجلُ ؟
- إنَّهُ المقاول صاحب المشروع
- لماذا يقف هنا؟
- ليراقبَ العمل
انضمَ الرجلُ إلى العمال، ينقلُ معهم الصخور، دون أن يعرفَ الأجور.. صارَ يسرعُ إلى الحجر الكبير، فيحمله على كتفه ’، ويضعه في المكان المراد، فإنْ لم يجدْ حجراً كبيراً، حملَ حجرين صغيرين، بينما رفاقه لا يحملون إلا حجراً واحداً، ينتقونه من الأحجار الصغار
رأى صاحب المشروع نشاطَ الغريبِ، فأُعجبَ به أيَّما إعجاب، ولاحظ الغريبُ نظراتِ المقاول، فأيقنَ أنَّهُ سينال أجرةً وافية، تفوقُ أجورَ الآخرين، فضاعفَ جهودهُ، وزادَ سرعتهُ
انتهى النهار، وحانَ وقتُ استيفاءِ الأجور
اصطفَّ العمالُ، بعضهم وراء بعض، وانتصبَ المقاول أمامهم، فشرعوا يمرُّون أمامه، وكلَّما جاءه واحدٌ، أثنى عليه، وقال له
شكرا
وربّما قالها لبعضهم مرّتين
وجاءَ دورُ الغريبِ، فصافحه الرجل بحرارة..وقال له
- شكرا شكرا شكرا
فرح الغريبٌ، وقال في سرِّهِ
- سأحظى بأجرةٍ وافرةٍ
انتهى الثناءُ والكلام، وانصرفَ المقاول، وبقي العمال
سألَ الغريب ُ
- متى سنأخذُ الأجرة؟
- لقد أخذتَ أجرك
- لم آخذْ شيئاً!
- بل أخذتَ أكثر منّا جميعاً
- كيف ؟
- المقاول قال لك " شكرا" ثلاث مرّات
وهل هذه هي الأجرة ؟
- نعم
- هذا كلامٌ وثناء
- صاحبنا يوزِّعُ مدحه بحسبان، ولا يُظلَمُ لديه إنسان
أطرقَ الغريبُ يفكِّر.. إنَّهُ جائع، وليس معه نقود .,. خطرَ له خاطر
نهض مسرعاً، وتوجَّهَ إلى السوق
دخلَ مطعماً، وطلبَ طعاماً
أكل حتى شبع، ثم قام لينصرف
أمسكه صاحبُ المطعم، قال
- أين ثمنُ الطعام؟
- مدَّ يدَكَ
مدَّ صاحبُ المطعمُ يده، فصافحه الغريبُ بحرارة، وقال له
شكرا، شكرا، شكرا.
دُهشَ صاحبُ المطعم، وقال غاضباً
- أريدُ نقوداً
- لقد أعطيتك
- لم تعطني شيئاً!
- أعطيتك عُملةَ صاحب المشروع
- هل أنتَ مجنون ؟
- لستُ مجنوناً
- هيّا معي إلى صاحبك هدا
أخذ صاحبُ المطعم الغريبَ، وذهبا إلى المقاول، وحينما وقفا بين يديه، قال صاحبُ المطعم
- هذا الرجلُ أكلَ طعامي، ولم يدفع الثمن
- نظرَ المقاول إلى الغريب فعرفه.. قال له
- لمَ لا تدفعُ له ثمنَ طعامه ؟
- لقد دفعت
- ماذا دفعت
- دفعتُ له عملتك
- أيَة عملة ؟
- عملة " شكرا" التي أعطيتني إياها
ضحك المقاول طويلاً، ثم أعطى صاحبَ المطعم، قيمةَ وجْبَتهِ، وطلب من الرجل الغريب ألا يعود الى ورشته أبدا وأن يخرج من المدينة على الفور، كي لا يتفطن البلهاء .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire