خلال إحدى الثورات التي أطلق عنها الغرب تسمية "الربيع العربي" دارت حرب شرسة بين أحد الحكام ورعيته، كانت الغلبة فيها في النهاية للشعب وقتل الطاغية، بينما فر من نجا من أفراد عائلته وتشتت شملهم في البلاد وخارجها ،وكان من بينهم ابنه الصغير الذي تنكر في هيئة متسول بإحدى المدن كيلا يتعرف الناس عنه فينتقمون منه. غير أن الشاب لم يكن متعودا على المبيت في الشوارع وتناول ما يتصدق به المحسنون عليه ، فاظطر للبحث عن مأوى يقيه شر البرد . بحث حتى وجد خبازا وظفه وآواه . لكن سرعان ما اكتشف الخباز أن الشاب لا يفقه في تحضير و طهي الخبز مما جعله يندم على تصرفه. فقام بعد أيام قليلة بطرده من المحل. ذات ليلة مظلمة وبينما كان الشاب يتنقل في الشوارع بحثا عن ملجأ إذ به يبصر أمامه على بعد أمتار قليلة رجلا يمشي الهوينا تارة ويسرع طورا آخر ويقوم بحركات تنم عن غيظ أو احباط .ظنه في الوهلة الأولى مجنونا وراح يراقب تصرفاته خائفا متأهبا لكل سوء قد يصيبه . فجأة ، توقف الرجل وأخرج من جيبه شيئا يلمع ورمى به أرضا ثم ما لبث أن جرى وهو يغمغم كلمات لم يتمكن الشاب من سماعها. دنا الشاب من المكان الذي رمى به الرجل الشئ ، فرأى جهاز هاتف خلوي . نظر يمينا وشمالا كأنه يريد أن يتحقق من خلو المكان من المارة .ثم أخذ الجهاز وانطلق مسرعا دون التفاتة وهو يمني نفسه" بصيد" عظيم. وما أن ابتعد بأحد الأزقة حتى توقف قرب مصباح عمود كهربائى وأخرج الهاتف ليتحقق من غنيمته . وبينما هو يتأمله اذ بالجهاز يرن. "تجمد" االشاب في مكانه فاتحا فاه. هل يرد أم يتجاهل؟ ابتلع ريقه ثم قال في تلعثم – من أنـــت ؟
جاءه الرد على الفور: – أنا خادمك الأمين. أراك أخذت الهاتف وذلك ما كنت أبغي، لا تنزعج مني فأنا أعرف من تكون وسوف أساعدك في محنتك التي تمر بها. دعني أعرفك بنفسي أنا (توماس.).. الناس يسمونني (توماس العربي) . تراجع الشاب الى الوراء وتأهب لرمي الجهاز والفرار بعيدا وهو يردد مرتعشا: لقد اكتشف أمري .وكأن"توماس" شعر بما يجول في خاطر الفتى فقال مترجيا: – من فضلك ، اسمعني. اطلب ما تشاء وستجدني في الخدمة. تماسك الشاب وجمع قواه ورد – إن كنت خادمي و تعلم من أكون فأعني علر استرداد مجدي الضائع. قال "توماس" – سوف أفعل، لكن قبل أن أحقق لك مطمعك ،علي أن أجرب صدق نواياك.
هدأ الشاب من روعه قليلا وأحس باطمئنان بعد خوف فقال :– إن كنت صادقا فيما تقول فأعني على الحصول على مأوى، ولو مؤقتا..رد ( توماس): لك ما تشاء، اتبع ارشاداتي وفقط .سار إلى حيث أمره الرجل، فوجد بيتا خاليا قديما بعيدا عن الأنظار.
قضى الرجل الليلة في الدفء ولما أصبح ،اندفع خارج البيت خوفا من أن يفاجئه أحد. فابتعد عن العيان بغابة قريبة وأخرج الهاتف من جيبه ثم اتصل ب" توماس العربي" . وما هي إلا لحظات حتى سمع الرجل يقول: مرحبا، ماهي طلباتك؟
-أريد طعاما شهيا وشرابا لذيذا... رد الشاب مبتهجا. سيكون لك ذلك وكل ما طلبت ، لكن بعد أن تلبي لي طلبي الأول. فأنا لي مثلك مطالب .
أحس الشاب بخيبة أمل تساوره وهو الذي كان يحلم بتحقيق أشياء كثيرة بمساعدة من ( توماس). سوف ينتقم من أولئك الذين خانوا والده وسوف يحول انتكاساته الى انتصارات. رد بملل :- ما المطلوب مني فعله ؟
قال ( تواس): - عمل سهل وبسيط، لا يكلفك جهدا.
وما هو ؟ رد الشاب مستفسرا متعجلا ؟قال ( توماس) :- أن تكذب على الناس..
ظن الشاب لحظة أن الرجل مجنونا حقا، أو يريد أن يمزح. فرد غاضبا: - الوقت غير موات للعب يا سيدي.
قال الرجل : - هل تريد أن تتعامل معي أم أن مصيرك سيكون كسابقيك.
فكر الشاب وقال في نفسه: وماذا أخسر لو جربت ؟ ثم أجاب محدثه : - لا بأس من خوض التجربة.
ضحك ( توماس) وقد ظفر بما يريد فأضاف:- سوف أعطيك عن كل كذبة مالا كثيرا، يمكنك من شراء السلاح وتجنيد العملاء والمرتزقة، وكلما تفـنـنـت في صنع الأكاذيب رفعت أجرك أكثر فأكثر.
قال الشاب في تلهف وقد سال لعابه: - هيا هات المال ودعني أفكر في أول كذبة.
استدل الشاب بتوصيات الرجل فحصل على مبلغ غير زهيد من المال.
انتقل إلى مسكن لائق بحي راق ولم يبق أمامه الا الشروع في المهمة الموكلة له من الرجل الخفي.
استغرق في البحث طويلا الى أن اهتدى الى كذبة تمنى أن يصدقها الناس.فتوجه الى هاتف عمومي بالقرب من أكبر ساحة بالمدينة وشكل رقم الشرطة وهمس. ( ألو. أنا فاعل خير. أحذركم منوجود قنبلة بساحة الزهور، ستنفجر بعد قليل.) وضع السماعة وانصرف على عجل. دخل أقرب مقهى، طلب فنجان قهوة وراح ينتظر.أحس بالذنب جراء ما فعل. لم يكن متعودا.
فجأة ، دوت صفارات سيارات الشرطة بساحة الزهور وأخلي المكان ووضعت الحواجز.وسرعان ما غص الموقع برجال الأمن. بعد تفتيش وحث لم تعثر الشرطة على أي شيء خطير، فعادت الحركة من جديد.
عاد الشاب الى إقامته، أخرج هاتفه ونادى ( توماس). سر الرجل وأضاف أنه شاهد الواقعة وفرح بما أصاب الناس من هلع.
أخبر (توماس) بالمبلغ الذي سوف يتقاضاه إن هو أبدع في الكذبة الموالية ، فوعده الشاب بالأفضلفي القريب العاجل.
بعد شهر عن حادثة الساحة قام الشاب مستعملا نفس الوسيلة والطريقة بإبلاغ الشرطة بوجود انتحاري مدجج بعبوات ناسفة داخل الملعب البلدي للمدينة. هرع رجال الأمن الى عين المكان فأخلوه مما فيه ولم يتم العثور على أي إرهابي.
قطعت الأذاعة والتلفزيون برامجها لتنشر الخبر العاجل الوارد من الحكومة والتي دعت بالمناسبة المواطنين الى توخي الحذر والإبلاغ عن كل مشتبه به. نال الشاب ما وعده به ( توماس) من مال.
كان الشاب بأشد الحاجة للمال كي يجمع قواه ويحقق ما يصبو اليه فاجتهد في اختراع كذبة مدوية نفذها فآتت أكلها فأخبربها صديقه ( توماس) ومفادها أن البطاطا مصابة بداء فيروسي وغير صالحة للإستهلاك، مما انجر عنه عزوف الناس عن شرائها مكلفا خزينة الدولة والفلاحين والتجار خسائر بالملايين.
الآن وقد جمع الشاب المال بما فيه الكفاية فقد انتقل الى المرحلة الثانية من اتفاقه ( توماس العربي) وهي استعادة عرشه المسلوب.
قال ( توماس) – الآن وقد صرت من أكبر الكذابين ولك المال الوفير فيمكنك البدء في الحرب على أعدائك.
الشاب – ولكن كيف لي أن أخوض حربا لا أفقه من فنونها شيئا.
- لا تقلق. قال العفريت , سأكون ساعدك الأيمن . ابحث في الأحياء الفقيرة عن المستضعفين والمساكين وخاصة الشباب من قاطني الأكواخ والمتسكعين في الشوارع ، صاحبهم واجلبهم اليك بمالك، فانفق عليهم وعاونهم وشاركهم في الرأي وقل لهم أن ما يعيشونه غبن وظلم يجب رفعه. لا تيأس. أعد الكرة مرات ومرات واعمل في سرية. لا تلفت اليك الشبهات. لما انتهى الرجل من سرد نصائحه , قام الشاب فخبأ الهاتف داخل المسكن، واستعد للمرحلة المقبلة و الحاسمة .
بعد مدة بدأ الشاب تنفيذ الخطة, فجمع من حولة أناسا أغواهم بالمال جعلهم يثقون به ويثق بهم. جهزهم بالسلاح المتوفر من أسلحة بيضاء وبنادق الصيد وسكاكين. أطلق على جماعاته تسميات "جهادية" مختلفة .بدأ في سلسلة من العمليات الترهيبية والدعائية , فالتف حوله الطامعون في المال وفي السلطة واتسعت رقعة نفوذه لتشمل القرى والجبال.
لم يتفطن حكام البلد في بادئ الأمر إلى ما آل اليه حال الناس من هول وفجع وتنكيل وتقتيل. فقد كانوا يتناحرون فيما بينهم حول "من يحكم من" ويسارعون إلى نهب مال الشعب.ولما استيقظوا على وقع دوي التفجيرات والحرق والتدمير وأحسوا بالخطر يداهمهم ويهدد مصالحهم لم يتوانوا لحظة في الأستنجاد ب"توماسهم" من وراء البحار. دارت معارك شرسة . أحرقت الديار والثمار,شردت أسر, قتلت أرواح بريئة.طال النزاع واشتد وككل حرب فإن الخاسرفيها من لا يملك العدة والعتاد وكذلك كان حال الشاب.
أحس الشاب بضعف قواته وكان لزاما عليه تجديد قدرات رجاله ففكر في الإستنجاد ب( توماسه) . عاد الى المدينة منهكا مكسور الجناح ومرهقا. وكم كانت الصدمة شديدة لما رأى البيت الذي يأوي الهاتف قد هد عن آخره فلم يعد سوى مجرد ركام من الطوب والتراب. ذعر لهول الفاجعة. ما العمل ورجاله هنالك في انتظار الإمدادات..
لا بد من خلاص والخلاص يكمن في الهروب ولكن هذه المرة خارج الوطن. فالخطر كبير والعقاب سيكون أشد إن ألقي عنه القبض. آه يا ( توماسي)... تخليت عني في الوقت العسير.. ما العمل؟؟؟
حل الظلام فآوى الى بيت هجره أهله جراء الهول وانزوى بركن من أركانه يفكر في حل ...نال منه التعب وأخذه النعاس قليلا . أيقظته صيحـــات الجنود المتعالية المهددة:
- لا تـتـحرك، ارفع يديك إلى الأعلى . اقترب منه أحد الضباط وصوب نحو وجهه المصباح اليدوي ثم صاح مهللا – هو... انه هو...
......بعد أيام من إلقاء القبض عنه ، ظهر الشاب على شاشات التلفزيون العالمية بلباس برتقالي اللون وهومكبل اليدين والرجلين مهرولا بأحد أقفاص سجن "خوانتانامـــو".
Ce commentaire a été supprimé par un administrateur du blog.
RépondreSupprimer