mercredi 11 novembre 2015

كل من رآها خيل له أنه أمام ملكة من ملكات الجمال اللائ تنشر صورهن على صفحات المجلات أو على شاشات التلفاز أو أنه  أمام عارضة من عارضات الأزياء الشهيرات . الأهل والأقارب كانوا يتنبأون لها بزواج سعيد بفارس  وسيم  يضاهيها جمالا و طيبة. ولأنها كانت وحيدة والديها فقد كانت المدللة التي لا يرفض لها طلب . شاءت الأقدار أن يحضر والداها  وليمة  لأحد الأثرياء بالمدينة  لتتعرف سيدة ثرية على البنت ( نورة) . أعجبت السيدة بالفتاة أيما أعجاب وتمنتها عروسة لولدها المدلل. بعد أيام تقدمت عائلة الفتى بطلب يد الحسناء وتمت الخطوبة وجرى العرس بعد أشهر قليلة. كان هم الوالد أن يزوج ابنته لرجل ثري يقيها تقلبات الدهر . وقد تم له ما تمناه. فهو اليوم في بهجة وسروربعد أن اطمأن لمستقبل ابنته الوحيدة العزيزة.
 لكن ذلك الجو البهيج لم يعمر سوى أسابيع حيث اكتشفت ( نورة) أنه غر بها  وظهر زيف  أسرة الزوج   وبرزت عيوب "الفارس" فلقد أدركت المسكينة أنها ارتبطت برجل لا يملك من الرجولة  الا  الاسم وأنه من المدمنين على الكحول والمخدرات . وكثيرا ما كان يقضي معظم الليل خارج البيت يتلذذ شرب أنواع النبيذ ليعود آخر الليل فيشبعها ضربا كلما حاولت التنديد بما يفعله.
حاولت التسـتـر على زوجها وامتنعت عن اخبار والديها بماتعانيه  . لم تكشف سرها لأحد ظنا منها أنها ستتمكن في الأخير من أقناع زوجها بالكف عن الذنوب .  واستمر الحال على ما هو عليه ,بعد مضي شهور عن زواجهما  قرر الزوج السفر الى فرنسا فاقترحت عليه الأم اصطحاب زوجته معه وهي فرصة كما قالت لعرض حالتيهما على طبيب مختص في علاج العقم . واصطحب معه ( نورة) واستقر به الحال عند أخواله ليقضي أياما لكن سلوكه وأدمانه على الخمر دفع بخاله الى مطالبته بالعودة الى البلد فورا فحزم أمتعته وبدلا من امتطاء أول طائرة  قاد زوجته الى مدينة ( نيس)  أين اكترى غرفة بأحد الفنادق القديمة .هنالك وجد ضالته بعيدا عن العيون فاندمج بسرعة مع الضالين ولم يعد يعود للبيت الزوجية الا قليلا تاركا الزوجة المسكينة بين جدران غرفة مليئة بالحشرات والصراصير وتآكلت حيطانها بفعل الرطوبة  مما أثر على صحة المرأة حيث بدات تشعر بضيق في الصدر وبصعوبة في التنفس. عزلتها اللاارادية التي وضعها فيها زوجها  جعلتها  لا تعرف عن العالم الخارجي الا ما يبدو لها من خلال النافذة الصغيرة التي كانت عينها  الوحيدة  على الناس .لما يئست  وشعرت بأنها ستجن لا محالة لو استمرت على ما هي عليه  قررت ذات يوم كسر جدار الصمت واغتنمت فرصة رجوع الرجل مخمورا كما تعود فاخذت منه مفتاح الغرفة خلسة حملت حقيبتها  وخرجت بل قل هربت , كان اليل حالكا والمطر يهطل غزيرا أبصرت ضوء محل يتلألأ نوره من بعيد فأسرعت تلتمس دفئا , دخلت المحل ترتجف  وأخرجت  ورقه بيضاء من جيب فستانها المبلل ناولتها لمن كان يبدو عليه صاحب الدكان وألمحت له بأشارات فهم منها أنها تريد التحدث في الهاتف , وضع الرجل  جهاز الهاتف على المحسب وراح  يكون الأرقام المدونة على الورقة. سمعت رنين الهاتف في الطرف الآخر فابتهجت تنتظر بشغف الاستنجاد بوالدها   لكن لا أحد يرد. حاول الرجل مرة أخرى ولما يئس تأسف  و أعاد لها الورقة  وعاد الى خدمة زبائنه. خرجت تجر خيبة  الأمل  سارت على الرصيف الممتد والريح يلفح وجهها فلم تتماسك وراح جسدها الجميل يرتجف من شدة البرد والخوف من المجهول بأحد مداخل العمارات لجأت وأسندت ظهرها الى الجدارثم  تكورت وهام بها الخيال بعيدا الى أن أخذ منها النعاس فلم تستيقظ الا على وقع أقدام سكان العمارة وهم يخرجون في الصباح الباكر متوجهين الى العمل.
ما العمل ؟ تساءلت. هل أعود الى الوراء؟ الى الوحش؟ هل أغامر؟ سارت وسط جموع الناس تترصد ملامح  عربية  وبلغت سوق الخضر وهناك استبشرت برؤية نسوة عربيات عرفتهن من خلال لباسهن . فكان سؤالها الوحيد هو أن يساعدنها في الحصول على عمل وعلى مقر للمبيت ولو مؤقتا. خاب ظنها فيهن فكثيرهن كان لا يوليها اهتماما ومنهن من طلب منها العودة الى الوطن في أقرب وقت قبل فوات الأوان فأرض الغربة لا ترحم الرجال فما بالك بالنسوة . هكذا كن يحذرنها  وأخريات نصحنها بتبليغ الشرطة عن الزوج المسئ . حل المساء والمرأة في تيه شديد وفي حيرة من أمرها. توسلت الى احدى العائلات أن تأويها ولو لليلة فكان لها ذلك. ابان العشاء اقترحت عليها الأسرة المكوث  أسبوعا على الأكثر في انتظار أن تتدبر أمرها . وما أن حل اليوم الموالي حتى خرجت تبحث عن شغل فبدونه لا تستطيع اكتراء غرفة أو الحصول على طعام فكان شغلها الشاغل هو الشغل . طافت أرجاء المدينة طولا وعرضا  من محل الى محل ومن شارع الى شارع . خاب ظنها في الناس فمنهم من كان يريد استغلالها لآغراض دنيئة ومنهم من كان يريد النيل منها ولكنها صبرت وأبت الا أن تصمد أمام جنون البشر  ووصل بها الطواف أمام باب منزل فلفتت انتباهها عجوزمقعدة على كرسي متحرك  فدنت منها وراحت تحدثها باشارات فهمت منها المرأة أن محدثتها لا تتقن الفرنسية ولكن فهمت أنها بصدد البحث عن قوت أو شغل. المهم هذا ما توصلت اليه  فابتسمت في وجهها وطلبت منها أن تدخل.....
غضب الزوج السكير من نزرة أشد الغضب وأقسم أن يقتلها ان صادفها فبحث عنها في الخفاء دون اللجوء الى الشرطة خوفا من أن ينكشف سر متاجرته للمخدرات. اكتفى بالبحث في محيط ضيق ثم سرعان ما انغمس في المهلكات فأجل النظر في قضية نورة الى أجل غير مسمى.
بدأت نورة تسترجع عافيتها واندمجت في جو الأسرة الفرنسية الهرمة . فكانت تقوم بدور المنظفة والطباخة والممرضة في بعض الأحيان كل ذلك مقابل المبيت وقليل من المال. لكن صبرها وقناعتها وايمانها بالقضاء جعلها لا تكترث لما يصيبها من عياء بل وتحمد الله على ما هي عليه.
لما استقر بها المقام راحت تفكر في الاتصال بوالديها اللذين زاد اشتياقها لهما يوما بعد يوم. حاولت في كثير من المرات التحدث اليهما عبر الهاتف لكن الخط كان دوما مقطوعا . بعد مدة فضلت الكتابة لهما عن طريق البريد العادي. بعد طول انتظار وصلتها أخيرا رسالة من أحد أخوالها يخبرها فيها بأن أبويها توفيا منذ شهور اختناقا بالغاز. ولكم أن تتصوروا وقع الصدمة على البنت المسكينة التي فقدت بذلك خيط أمل كانت متمسكة به لآمد طويل وبفقدان والديها فقدت الأمل في الحياة كلها . لم يعد الحزن يفارقها ليلا ونهارا كانت العجوز الفرنسية تواسيها من حين اللى حين وتحاول زرع البسمة في وجه خادمتها  فتحاول نورة بدورها افتعال البسمة لكن دون جدوى. كانت العجوز تقول لها أن ما يخبئه لها المستقبل أفضل  وأنها ستجعل منها امرأة سعيدة لكن نورة تقول في نفسها هذا مجرد اهتراء وكلام وكفى.
مرت السنوات بطيئة في نظر نورة اعتادت على تحمل العذاب  النفسي الذي يمزق قلبها الجريح وساءت حالة العجوز فأدخلت المستشفى لتخرج منه أياما بعد ذلك جثة هامدة. ماتت من كانت تواسيها وتخفف عنها قليلا من الألام. فما العمل الأن ؟
العودة الى نقطة البداية. لا لم تعد تقدر على مزيد من الجراح،  عليها العودة الى أرض الوطن. بعد أسبوع عن وفاة العجوز طرق الباب فظنت نورة أن أهل الميتة جاؤا لاستلام المكان. حان وقت المغادرة. فتحت الباب فاذا برجل يحمل محفظة يطلب الدخول ويقدم نفسه على أنه الموثق . داخل البيت شرح لها أن العجوز أوصت بتركتها لخادمتها نورة. فأمضت واستلمت العقود. كان الأمر يتعلق بالمنزل وبرصيد من المال مودع بالبنك. بعد رحيل الرجل انزوت نورة في ركن بالبيت وبكت . لا تدري هل هي دموع الفرحة أم دموع في حق تلك العجوز الوفية.....
لما ركبت الطائرة المتوجهة الى الجزائر لم تكن نورة تعلم أن على متن  الطائرة  نفسها يرقد جثمان  زوجها الذي اغتالته عصابة أشرار . يــــــــــــا للعبــــــــــة  القــــــدر.  

تعودت عائلة العم محمود قضاء أوقات العطل بالريف وكانت تتحين كل مناسبة لزيارة الأهل  أين يقيم الجد شعبان والذي رغم بعده عن أولاده  لا يزال الرجل الآمر الناهي  والمتصرف في شؤون الأسرة ولذلك فلا يزال محمود يستشير والده في كل كبيرة و صغيرة. وقد جاءت  فرصة العطلة هذه المرة ليطرح الابن على أبيه فكرة  انشاء مقاولة بالشراكة مع أحد الأصدقاء. كان لمحمود بنت في العاشرة من العمر يقال لها هناء.وكثيرا ما كان جدها يقص عليها قصص "الغولة" التي تأكل لحم البشر.
ذات يوم لم تجد أم هناء من تبعث من أبناء الجيران لشراء الملح فأرسلت ابنتها على عجل موصية اياها بالأسراع. قائلة لها  خذي ما تبقى من النقود واشتري به حلوى لك. قصدت البنت المحل على عجل فاقتنت ما أوصت به أمها ولما همت بالخروج اعترضت سبيلها " العجوز "فطومة" وهي  امرأة يطلق عنها السكان اسم المهبولة" نظرا لتصرفاتها السيئة ازاء  الناس و الصرخات التي تطلقها من حين الى حين دون سبب.
حاولت هناء التهرب  بمراوغة العجوز يمينا وشمالا لكن فطومة" أمسكت بها فعلا صراخ البنت وسالت دموعها . تدخل صاحب المحل فباغتته "فطومة" بحجر كانت تحملها ومكنت تلك اللحظة الطفلة من  الفرار .
وصلت البنت البيت في حالة من الذعر والهلع وارتمت في حجر أمها تستغيث وتلتفت نحو الباب  عاد محمود من الحقل    فوجد ابنته على تلك الحال ولما سأل أخبرته الزوجة بأن البنت عادت  من الدكان  تبكي وترتجف
، وهما على تلك الحال فاذا بالباب الخارجي يطرق طرقا عنيفا أسرع الأب ليجد نفسه وجها لوجه مع " فطومة" .
حاولت "فطومة" الدخول بالقوة لكن محمودا دفعها الى الخارج وهو يصيح في وجهها – ماذا لاتريدين أيتها المجنونة ؟
هيا انصرفي قبل أن أقتلك وأخلص الناس من شرك. سمع الجيران  صراخ الأب فتجمعوا أمام الباب يتساءلون عن  السبب.
فعلموا من صاحب المحل الذي هرع بدوره لعين المكان ما جرى . ولما طلب الحاضرون من فطومة " التعقل" والانصراف أبت وطلبت باشارات فهم الجميع أنها تريد البنت هناء, لكن الأب قال أن ذلك من مستحيلا وهدد العجوز  بالضرب. واستمر الجدال  بين الناس فمنهم من رفض أن تخرج البنت لملاقاة "  المهبولة" ومنهم من ألح على محمود  احضار البنت ولا خوف عليها مادامت في حماية الجميع.
أخيرا اقتنع الأب بالطرح الثاني وأتى بابنته على مضض.
خرجت هناء ترتجف وبيدها حبات الحلوى وما أن رأت فطومة الحلوى بيد البنت حتى انقضت عليها لتأخذها منها وهي تصيح  فرحة مستبشرة– أخيرا وجدت القصاصة التي كانت تنقصني.  الأن  يمكنني الفوز بالجائزة الأولى في مسابقة ( بون بون) للحلويات....ههههههههها....