mercredi 21 octobre 2015

كان على الزوجين الحائرين في أمرهما التائهين والغارقين في مخاوف الفضيحة  والإذلال ومن دخول السجن البحث عن حل للمعضلة وبأقصى سرعة ممكنة . عادا إلى المدينة بعد أن فقدا الأمل في العثور على الحزام ، دخلا شقتهما متخفيين  وراحا يراجعان كافة الخيارات .
قال حسين – علينا شراء حزام للسيدة يشمل كل مواصفات الحزام الذي ضاع منك .
قالت صفية – هل تمزح ؟ من أين لنا بكل المال ؟
رد حسين – نبيع كل ما نملك . وعلينا الاستدانة من الأهل والأقارب .
سألت صفية – وهل يملك الأهل كل ذلك المال، أنا أدرى بحالهم.
أردف حسين – كما علينا الاقتراض من البنك أيضا حتى ولو كلفنا ذلك دفع فوائد  إضافية
وإذا لم نفعل فاعلمي أنك ستدخلين السجن بتهمة خيانة الأمانة. قبلت صفية مقترح زوجها، وبعد أيام جمعا ما استطاعا جمعه من مال الأقارب وحصل حسين على قرض من البنك بفوائد باهظة. فاشتريا حزاما بنفس الشكل والمواصفات  وأعادته صفية للسيدة الثرية التي لم تشك لحظة في الحزام  فحمدت الله على أن هداها وزوجها الى الكيفية المثلى والى الطريق السوي.
لكن ثقل الديون وما انجر عن القرض من فوائد ما انفكت تتضاعف شهرا بعد شهر أثقل كاهل الزوجين . فقرر حسين ترك الشقة  وتنقل مع زوجته للعيش بغرفة حقيرة بحي قصديري  هش. واضطرت صفية للخروج للعمل خادمة بأحد البيوت. أما حسين فكان يعمل بالنهار نادلا بالمقهى وحارسا بورشة للبناء بالليل. وظلا على هذه الحال مدة عشر سنوات  ذاقا خلالها مرارة العيش بكل أوصافه. ماتت خلالها أحلام الطفولة والشباب وضاع فيها طموح خريجي الجامعة وتلاشى واندثر.
ذات يوم ذهبت صفية للسوق لشراء ما تحتاجه سيدتها من خضر فلمحت عيناها جارتها القديمة السيدة الثرية فحاولت تجاهلها  مبتعدة عن طريقها لكن السيدة أبصرت صفية فلحقت بها  لتسألها، بعد تردد – هل أنت صفية ؟
ردت صفية  بنعم . فتعجبت السيدة لما آل إليه حال صفية وسألتها – لكنك تبدين نحيلة ، ما هذا الثياب الرث؟ وما هذا الفقر المدقع الذي تعيشينه ؟، ماذا جرى ؟ أين ذهب  ذلك الجمال وتلك الأناقة ؟ ولماذا اختفيت وزوجك فجأة ؟
تنهدت صفية ثم سألت السيدة – أتذكرين يا سيدتي ذلك الحزام الذهبي الذي استعرته منك ذات مرة ؟ لقد ضاع مني في ذلك الحفل بالذات فاضطررنا للاقتراض بفوائد ربوية كي نتمكن من شراء حزام  جديد لك . وما زلنا إلى اليوم نسدد الديون التي على عاتقنا.

صاحت السيدة على الفور –  لا حول ولا قوة إلا بالله، لماذا لم تخبريني ، لقد كان عقدا مقلدا  لا يساوي بضع دينارات.......

كان معلم المدرسة الابتدائية بالقرية الجبلية  معجبا كثيرا بتلاميذه  وكان معجبا أكثر بالطفلين حسين و صفية  لأنهما كانا من أحسن الطلبة سلوكا ونشاطا ولذلك كان دوما يفاخر يهما زملاءهما ويقول عنهما أنهما سيكون لهما شأن في المستقبل . بعد نجاحه انتقل حسين للدراسة بالمدينة بينما فضل أبو صفية الرحيل إلى مدينة سطيف للعمل هناك  ورافقته أسرته حيث  التحقت صفية بدورها بالتعليم المتوسط.
كبر حسين وكبر معه طموحه  في اعتلاء أعلى سلم  الطبقة الاجتماعية ونجح في إكمال تعليمه الجامعي  ليتخرج برتبة أستاذ التعليم الثانوي. وبقي يتحن فرصة التوظيف والتي طال أمدها. وشاءت الصدف أن يلتقي مجددا بصفية زميلته بالتعليم الابتدائي  بالقرية الجبلية. ونشأت بين الطرفين مودة ومحبة انتهت بزواجهما. ولأنهما ألفا حياة المدينة فقد استقر بهما الرأي على الإقامة بها. ولتلبية ما تتطلبه الأسرة من نفقات فقد لجأ حسين للعمل مؤقتا نادلا بإحدى المقاهي بينما اكتفت صفية بالمكوث بالبيت في انتظار أيام أحسن وفي انتظار أن يفتح الله لهما باب الشغل  ليكملا حلمهما في العمل بالإدارة أو بسلك التعليم.
بالحي الذي سكنا فيه تعرفت صفية على سيدة ثرية  لطيفة المعشر. في يوم من الأيام دعي حسين وزوجته لحضور عرس أحد الأقارب بالقرية الجبلية . ولكي تتزين وتتجمل ارتأت صفية أن تستعير من جارتها الثرية  حزاما مرصعا بالذهب . فلم تتوان السيدة اللطيفة في الاستجابة للطلب راجية من صفية المحافظة على الحزام واعادته فور رجوعها من العرس.
أقيم الحفـل وحضر المدعوون  بكثافة من رجال ونساء وحتى الأطفال فاكتظت بهم القاعة . ورقصت النسوة على وقع الأغاني البدوية وعلت الزغاريد وفي خضم ذلك الهرج لم تنتبه صفية  أن الحزام ضاع منها إلا بعد أن انتهى الحفل والصخب . أصيبت بهلع شديد وجاشت بالبكاء وسألت عنه كل من حضر لكن لا عينا رأت . رجعت صفية وحسين إلى المدينة يجران خيبة لا تضاهيها خيبة  وهما يفكران في ردة فعل السيدة الثرية حينما تعلم بالأمروبأي وجه سيقابلانها وماذا سيقولان لها ......( يتبع)....