الغضب شاءت الصدف أن يتعرف " جمال" في مساء جميل بالعاصمة
الجزائر على فتاة في العشرينات من العمر.. أعجب بها وأبدى لها حسن نيته وطلب
منها رقم هاتفها، وشعر بعاطفة تشده نحوها.. مرت الأيام وتوطدت العلاقة بينهما، ولم
يفوت الفرصة وهو المطلق، فتقدم من عائلتها بطلب الزواج منها.. كان الأمر في
البداية مرفوضا وصعبا قبوله من كلا العائلتين، لكن إصراره رجح الكفة لصالحه، وزفت
إليه وهو النشوان الفرحان.. كان العريس تاجرا ميسور الحال، استأجر لعروسه مسكنا
بالضواحي، وعاشا سعيدين أياما حلوة وكأنهما شخصيات من قصص كتب الحب والمغامرات العاطفية.
بعد عامين عن زواجهما رزقا
بأول مولود، وتنقلا للعيش لدى عائلتها بعد موافقته مكرها، وتلت السنة الأخرى،
وكانت حياتهما شبه مستقرة، إلى أن رزقا بمولود ثان. لم تمر على المولود إلا مدة
قصيرة، حتى تعكّر الجو بينهما، وباتت تطفو على حياتهما الخلافات، انتهت في واحدة
من المرات بطلب الزوجة الضحية “الخلع”، لكن سرعان ما عاد السلم بينهما، واتفقا على
استئجار مسكن بالجوار، حتى ينعما بالاستقلالية والخصوصية والهدوء. لكن ذلك لم يعمر
طويلا، وتأزمت العشرة بينهما من جديد.
لم تكن أيام المولود الجديد بالمفرحة، وتعقدت مع مرور الوقت أكثر
فأكثر، وأصبح الزوج معكر المزاج لتصرفات زوجته التي كان ينتقدها فيها، ويعارضها في
فعلها، ولاحظ الزوج أنها بدأت تفلت من يديه، فيما هي كانت ربما ترى فيه سجانا
أنانيا، واشترت سيارة ثم ثانية، وكان يسألها من أين لك بكل ذلك المال؟ فكانت تجيبه
بردود ظل يشك فيها، غير مقتنع ولا مطمئن لها. وفي يوم هادئ ولطيف بادرته الزوجة
بفكرة السفر إلى تركيا، رد عليها أن ذلك مستحيل، ولكن إن رغبت فسيكون لها ما أرادت
بعد شهر رمضان، لكنها “ركبت” رأسها ولم تنتظره وسافرت ، وتركت الولدين لدى شقيقتها
ترعاهما أثناء غيابها.. لم يكن الزوج بالراضي عن تصرف زوجته، وبدأت الوساوس
تراوده، وكان في قمة غضبه، وانتظر عودتها. وفي المطار، وحينما حطت الطائرة، ذاب كل
غضبه واستقبلها، وتصالحا، وعاد وإياها، بل أكثر من ذلك اشترى لها هدية حتى ترضى،
وعادت السعادة إلى قلبيهما لا يفترقان، لكنها لم تعد كالأيام الحلوة الأولى.
كان الجميع من حول الزوجين يعتقد أن المياه عادت إلى مجاريها، لكن
الحقيقة أن ذلك كان مثل السراب، يتراءى للبعيد فقط على أن الزوجين سعيدين، ويحدث
أن ينشب خلاف، تشاحن فيه الاثنان، وغضبا من بعضهما أياما فقط قبل تاريخ المأساة،
قامت وقتها الزوجة الضحية بحمل أغراضها وما احتاجت إليه من مسكنهما المؤجر
وغادرت.. لم يتمالك فعلتها وجنّ جنونه، ولم يفهم أصدقاؤهما ما الذي يحدث، وتهاتفا
وأخبرت الزوجة بأنه تريد الخلع منه، وأعلمته بأنها سترفع ضده قضية في المحكمة، أي
3 أيام فقط قبل تاريخ الجريمة، ولكن حدث أن تفاهما مرة أخرى واشترطت الضحية على
زوجها أن يشتري لها سكنا، يسجّل باسمها حتى تعود ، مع شروط أخرى، وتوافقا على
الطلب وكان لها ما أرادت .
حل اليوم السابع من شهر جوان، ارتفعت الشمس في السماء وأطلقت حرارتها
تلفح الناس، رن الهاتف، فكان المتصل الضحية.. أجاب الزوج على اتصالها على مضض،
وأعلمته بأنها ستعود في ذلك المساء، لم يمانع وطلب جلب أغراضها والأثاث وولديهما.
ولما خيّم الظلام دق جرس الباب، وفتح لها الباب وسلم عليها، لكن ما هي إلا ثوان
حتى عادا إلى الشجار والصدام، فتلاسنا، وتطور الخلاف بينهما، ثم سكنا، وهدأت
العاصفة، وسهرا معا. وهما على تلك الحال سألها عن أشخاص كانت تلتقي بهم، وكانت
النقطة التي أعادت الخلاف والشجار بينهما، وحدث أن وجّه لها لكمة، ليتطور الأمر
بينهما ولم يعد أي منهما يسمع الآخر، لترد عليه بضربة على الرأس. هنا أصيب بحالة
هستيرية، وحمل منديلها ولفّه حول عنقها، وما هي إلا ثوان حتى سكنت.. لا تتحرك.. ولا تتنفس،
وانتهى كل شيء .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire